أكتوبر 11, 2018 محمد الامام العزاوي مقالات قانونية 0
مقدمة :
في إطار التحولات الهامة التي عرفها المغرب في مساره الديمقراطي والاجتماعي والحقوقي ، حرص المشرع على ترسيخ مقومات الأسرة المغربية الوفية لأصالتها المنفتحة على مستجدات العصر ، وفي هذا الإطار صدرت مدونة الأسرة [1]التي شكلت لبنة من لبنات المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي حرص على بلورته الملك محمد السادس نصره الله منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين والذي جعل من بين الإصلاحات العميقة التي يقوم بها إصلاح حال الأسرة المغربية .
وتبدو أهمية هذا القانون من خلال سنه لقواعد ترمي إلى تنظيم علاقات متميزة بين الرجل والمرأة عبر تحديد مسؤولية كل واحد منهما ، وتحقيق نوع من المساواة في الحقوق والواجبات .
لذلك كان اهتمام مدونة الأسرة نابعا من حاجة مكونات الأسرة لحماية قانونية وقضائية ، وقد تعددت أوجه هذه الحماية في هذه المدونة سواء في بعدها المعنوي أو المادي من خلال تمكين المتضرر من الزوجين من الحصول على تعويض لجبر الضرر الذي يتسبب فيه أحد طرفي العلاقة الزوجية للآخر.
ولقد جاءت مدونة الأسرة بعدة مستجدات شملت مختلف المواضيع سواء تلك المتعلقة بالخطبة أو الزواج أو انحلاله ، ولعل أبرزها تلك المستجدات المرتبطة بانفتاح مدونة الأسرة على قانون الالتزامات والعقود ، حسب ما يظهر من خلال مجموعة من المواد التي نصت فيها صراحة على إمكانية تعويض الزوج المتضرر من الأفعال المنافية لمقاصد عقد الزواج ، وما يرتبط به من التزامات بل قررت إمكانية إعمال قواعد المسؤولية المدنية حتى قبل إبرام عقد الزواج وذلك من خلال الخطبة .
بل إن إنفتاح مدونة الأسرة على قانون الالتزامات والعقود لم يقتصر على قواعد المسؤولية المدنية بل شمل كذلك الأحكام المتعلقة بعيوب الإرادة خاصة عيبي الإكراه والتدليس .
لذلك فإن إعمال المشرع لأحكام المسؤولية المدنية في مدونة الأسرة يطرح مجموعة من الإشكالات القانونية تتمثل في مدى إمكانية تطبيق قواعد المسؤولية المدنية المضمنة في قانون الالتزامات والعقود في المجال الأسري ؟ وما هو الأساس القانوني للتعويض؟ وما هي خصوصيات إثبات عناصر المسؤولية الموجبة للتعويض في مدونة الأسرة ؟
كما أن إشكالية المسؤولية المدنية في المجال الأسري نجدها كذلك في القوانين المقارنة ، وسنعمل من خلال هذه الدراسة على تبيان هذه الإشكالية مع ما يرتبط به من موضوعات وتبيان الأسس والضوابط التي تعتمدها عليها هذه القوانين المقارنة في الحكم بالتعويض نتيجة الضرر الذي قد يلحق بأحد طرفي هاته العلاقة الزوجية وفقا لقواعد المسؤولية المدنية .
أهمية الموضوع :
يمكن الوقوف على أهمية موضوع هذا البحث من عدة جوانب :
إن هذا الموضوع يطرح إشكالية كبرى تتمحور حولها مجموعة من الإشكالات الفرعية .
فالإشكالية الرئيسية لهذا الموضوع تتمثل في مدى إمكانية إعمال أركان المسؤولية المدنية في كل من الخطبة والزواج ؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية المحورية مجموعة من التساؤلات الفرعية ومن بينها التساؤل حول الاساس القانوني للتعويض في كل من الخطبة والزواج في القانونين المغربي والمقارن ؟ وعلى أي أساس تقوم المسؤولية المدنية في الخطبة والزواج هل هي مسؤولية عقدية أم مسؤولية تقصيرية ؟ .
من خلال هذا البحث سيتم معالجة الإشكالات السابقة الذكر وفق منهجية تحليلية ووصفية لمجموعة من المواد والنصوص القانونية في مدونة الأسرة والقانون المقارن كما سنعتمد في نفس الوقت على منهج مقارن حتى يتسنى لنا مقارنة النصوص والمواد القانونية المغربية والمقارنة .
المبحث الأول : المسؤولية المدنية في الخطبة في القانون المغربي والمقارن .
تحتاج العقود الهامة إلى مقدمات عند إنشائها ويعتبر عقد الزواج من العقود المدنية التي تحظى بأهمية بالغة ، لذلك تعتبر الخطبة من مقدمات الزواج ، هذه الأخيرة التي تسمح للطرفين بالتعارف ، والاقتراب من بعضهم البعض حتى يتحقق الهدف من الزواج الذي هو الاستقرار ، وخاصة أن الغرض من الزواج هو دوام العشرة بين الزوجين وإقامة الأسرة الصالحة المتعاونة التي يسودها الحب والاحترام إلا أن في الكثير من الأحيان لا يتحقق الهدف من الخطبة حيث يعمد أحد الطرفين إلى العدول ، عن فكرة الزواج ، وذلك راجع إلى أسباب متعددة منها عدم التفاهم ، أو اكتشاف أحدهما عيوب الآخر …، ومجال الخطبة يطرح المسؤولية في كثير من القضايا المرتبطة به وسنحاول من خلال هذا المبحث معالجة إشكالية المسؤولية المدنية في الخطبة في القانون المغربي (المطلب الأول ) والمسؤولية المدنية في القانون المقارن (المطلب الثاني )
المطلب الأول : المسؤولية المدنية في الخطبة في القانون المغربي .
لاشك أن الخطبة إذا تمت بين طرفين فإن لها احتمالين ، هما الزواج وهذا هو الأصل ، وفي هذه الحالة فإن الخطبة لا تطرح أي إشكال والاحتمال الثاني ، هو أن يقوم أحد الخطيبين بالعدول .
وسنتناول هذا المطلب في نقطتين أساسيتين :
الفقرة الأولى : الأصل في العدول عن الخطبة عدم التعويض
الفقرة الثانية : ثبوت المسؤولية في العدول عن الخطبة
الفقرة الأولى : الأصل في العدول عن الخطبة عدم التعويض:
نظرا لقدسية عقد الزواج وما يترتب عنه من آثار فقد جعلت له الشريعة السمحة مقدمة تتمثل في الخطبة، التي وضعت لها أحكاما مفصلة ، وتعتبر الخطبة من الخطوات الأساسية قبل الإقدام على إبرام عقد الزواج [2] والمشرع المغربي نص على أن “الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج [3]”
كما نصت المادة 7 من مدونة الأسرة في فقرتها الأولى “مجرد العدول عن الخطبة لا يرتب عنه تعويض”
من خلال المادة 5 والمادة 7 من مدونة الأسرة إضافة إلى الفصل 14 من ظهير الالتزامات والعقود الذي ينص على ” مجرد الوعد لا ينشئ التزاما ” يتبين لنا أن الخطبة هي مجرد وعد بالزواج ، وليست بزواج ولا ترقى إلى مرتبة العقد ، لذلك فلا يمكن مطالبة العادل عن الخطبة بالتعويض لأن هذا مباح حسب منطوق المواد السالفة الذكر .
كما أن الخطبة في الفقه الإسلامي هي مجرد اتفاق رضائي ، وأنها لا تكتسي أي صبغة إلزامية من الناحية القضائية إذ لا يجوز إجبار أحد طرفي الخطبة بإتمام عقد الزواج ،إلا أنه دينيا وخلقيا يجب على الطرف الذي يعدل عن الخطبة أن لا يلجأ إليها إلا إذا وجد مسوغ شرعي لذلك.
الفقرة الثانية : ثبوت المسؤولية في العدول عن الخطبة
نصت الفقرة الأخيرة من المادة 7 من مدونة الأسرة على أنه “غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للأخر يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض ”
يتضح من نص هذه الفقرة أنه إذا ترتب عن العدول ضرر لحق الطرف الآخر سواء كان الضرر ماديا كأن تكون المخطوبة قد تركت العمل الذي تعيش منه استعدادا للزواج أو تكبد الخاطب مصاريف إعداد بيت الزوجية أو كان الضرر معنويا ، كأن ينتج عن العدول مساس بشرف وكرامة الطرف المتخلى عنه : فإنه يمكن للطرف المتضرر في هذه الحالة المطالبة بالتعويض ، وذلك حسب منطوق المادة السابعة من مدونة الأسرة .
إلا أن التساؤل يثار حول الأساس القانوني لهذا التعويض ، هل هو طبقا للمسؤولية التقصيرية أم للمسؤولية العقدية ؟
يمكن القول أن المشرع المغربي لم يجعل الخطبة عقدا ينشأ عنها التزام قانوني للطرفين ، حيث اعتبرها مجرد تواعد في المادة 5 من مدونة الأسرة [4] وبرجوعنا إلى قانون الالتزامات والعقود المغربي فالوعد لا ينشئ التزاما [5].
وعليه فإنه يستحيل إضفاء قواعد المسؤولية العقدية على الخطبة لعدم وجود عقد وبالتالي فإن المطالبة بالتعويض يتم في إطار المسؤولية التقصيرية، طبقا للفصلان 77 و78 من قانون الالتزامات والعقود وهذه المسؤولية بطبيعة الحال لا تقوم إلا إذا كان الضرر نتيجة خطأ صادر عن المدعى عليه[6] .
وعليه نعتقد أن التعويض يكون بناء على فعل قصد به الطرف العادل عن الخطبة الإضرار أو خطأ لم يقصد به الإضرار بالطرف الأخر المتخلى عنه .
وفي هذا الصدد قضى المجلس الأعلى بأن “الضرر الذي يحق للشخص أن يطالب برفعه إذا توافرت إحدى حالات التعسف في استعمال الحق المنصوص عليه قانونا هو الضرر المحقق بأن يكون قد وقع فعلا أو وقعت أسبابه ، وترامت أثاره إلى مستقبل ولا عبرة لدى القاضي بالضرر الاحتمالي المبني على الوقائع التي قد تقع أو قد لا تقع [7] ”
وخلاصة القول فإن تكييف المسؤولية المترتبة عن العدول عن الخطبة في إطار القانون المغربي يكون على أساس المسؤولية التقصيرية ، ذلك أن المشرع المغربي عندما منح للطرفين إمكانية العدول عن الخطبة ، إلا أنه جاء في المادة 7 من مدونة الأسرة وأعطى للمتضرر إمكانية المطالبة بالتعويض متى كان هناك سبب غير مشروع وراء فعل العدول ، مما تسبب في إلحاق ضرر بأحد الخطيبين فالمتضرر عليه إثبات الخطأ ونوعه والضرر الناتج والعلاقة السببية لتقبل دعوى التعويض عن العدول عن الخطبة .
المطلب الثاني: المسؤولية المدنية في الخطبة في القانون المقارن
إذا كان المشرع المغربي يذهب إلى تكييف المسؤولية المدنية في الخطبة على أنها مسؤولية تقصيرية كما صارت بعض التشريعات المقارنة وخاصة العربية في نفس الاتجاه إلا أن هناك تشريعات مقارنة أخرى كالتشريع الفرنسي تسير عكس التيار وتعتبرها مسؤولية عقدية وأن التعويض يتم بناء على قواعد المسؤولية العقدية.
وسنحاول من خلال هذا المطلب التطرق إلى التكييف القانوني للخطبة في القانون المقارن (فقرة أولى) ، وإلى أساس التعويض عن العدول عنها (فقرة ثانية ).
الفقرة الأولى : التكييف القانوني للخطبة في القانون المقارن
يثير موضوع الضرر الناتج عن العدول عن الخطبة عدة آراء مختلفة. فقها و قضاء نظرا للطبيعة القانونية لهذا العدول، كما أن قوانين الأسرة لدول المغرب العربي اختلفت بخصوص التعويض عن الضرر الناتج عن العدول عن الخطبة ، فالمشرع المصري ذهب إلى أن الخطبة ليست عقدا ملزما ويحكم بالتعويض في حالة العدول عن الخطبة على أساس المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في المادة 163 من القانون المدني المصري [8].
وإلى جانب المشرع المصري نجد المشرع التونسي في مجلة الأحوال الشخصية التونسية سكتت عن هذه المسألة حيث يرى بعض الفقه أنه لا يرتب أي حق لأحد الخطيبين تجاه الآخر من جراء عدول أحدهما عن إتمام وعده بالزواج بما في ذلك حق طلب التعويض تأسيسا على أن الخطبة لم تكن لها في نظر القانون القوة التعاقدية اللازمة التي هي للعقود الأخرى [9].
أما القانون الفرنسي فنجده ، أن المبادئ الفقهية التي سادت في فرنسا خلال القرن التاسع عشر تعتبر أن الخطبة عقد يرتب التزاما بعمل يتحول عند عدم الوفاء به إلى تعويض وقد ظهرت هذه النظرية هناك غداة صدور القانون المدني 1804.
وفي هذا الصدد قضت استئنافية تولوز بأن “الخطبة عقد ملزم يرتب التزامات تبادلية بين المتعاقدين بإتمام الوعد بالزواج ، وهذا الوعد يخول كلا منهما دعوى لإجبار الآخر بالوفاء به لكن طبيعة هذا الارتباط تقتضي بأن يتحول بالضرورة إلى التزام بالتعويض يلتزم به من يرفض التنفيذ طبقا للمبادئ العامة التي أخذ بها القانون المدني الفرنسي في المادة 1142 و1145[10] ”
وحسب ما يستفاد من هذا القرار، فإن الخطبة وإن كانت عقدا ، فإنه لا يجوز إجبار العادل عنها على التنفيذ العيني ، وذلك مراعاة لطبيعتها الخاصة ، ويبقى للمتضرر فقط الحق في التعويض عما أصابه من ضرر جراء ذلك العدول .
الفقرة الثانية : المسؤولية العقدية كأساس للتعويض في القانون المقارن (فرنسا نموذجا )
لقد رأينا سابقا أن القانون الفرنسي يضفي الطابع التعاقدي على الخطبة وترتب على ذلك أن إنهاء الخطبة يرتب مسؤولية عقدية [11]
وبالإضافة إلى ذلك فقد طبق الفقه الفرنسي على الوعد بالزواج قاعدة العقد شريعة المتعاقدين المنصوص عليها في الفصل 1134، وهي قاعدة لا يمكن استبعادها إلا إذا وجد نص خاص يقضي بذلك ولا وجود لمثل هذا النص في مجال الخطبة في التشريع المدني الفرنسي
إن اعتبار الخطبة عقد ملزما لطرفيه حسب ما يذهب إليه أنصار النظرية العقدية يعني أنها تنشأ التزامات ذات صفة تعاقدية يؤدي الإخلال بها إلى إعمال أحكام المسؤولية العقدية ، وهذه المسؤولية تقتضي ضرورة وجود عقد أبرم صحيحا ، حيث لا يكون لها محل في حال كون عقد الخطبة اختلت أركانه وشروطه [12]
وعموما فإن أركان المسؤولية العقدية في هذا الصدد هي كالآتي :
إلا أن هذه النظرية التعاقدية للخطبة تعرضت للنقد لأن الأمر ليس بهذه البساطة ، وخاصة بالنسبة للخطبة التي تتميز بطابع خاص ولها أهداف أخرى لا توجد بالنسبة لغيرها من العقود كما أنها تعد تمهيدا للزواج ، وهي نظام لا يتعلق بالمعاملات المالية ولكنه يتصل بحالة الأشخاص إن انعدام تنظيم القانون المدني الفرنسي للخطبة لا يعني إخضاعها للمبادئ العامة للتعاقد ، وإنما يعني أن هذا القانون لا يهتم بالحقوق والواجبات ذات الطابع الأخلاقي والأدبي [13].
المبحث الثاني : المسؤولية المدنية في الزواج في القانون المغربي والمقارن .
إن المسؤولية المدنية تعني إلزام المسؤول عن الضرر لأداء التعويض للطرف المتضرر في الحالات التي تتوفر فيها شروط هذه المسؤولية [14].
فهي تهدف إلى حماية مصلحة خاصة يملك الشخص المتضرر إمكانية واسعة للتنازل عن حقه في التعويض عن جزء منها أو كلها لكن يبقى التساؤل عن أساس هذه المسؤولية هل هو الخطأ العقدي أم الخطأ التقصيري؟
وسوف يأتي ترتيب الكلام في هذا المبحث عن المسؤولية المدنية في الزواج في القانون المغربي (مطلب أول) وفي القانون المقارن (مطلب ثاني)
المطلب الأول: المسؤولية المدنية في الزواج في القانون المغربي
المسؤولية التزام ناشئ عن تصرفات، وهي إما تقصيرية أو عقدية ، فالمسؤولية التقصيرية التزام شخص ارتكب عملا تسبب في ضرر الغير بتعويض ما نتج عن ذلك من إضرار والمسؤولية العقدية هي بالنسبة للمدين الالتزام الناشئ عن العقدة لتعويض الضرر اللاحق بالدائن بسبب عدم تنفيذ الالتزام وهذا نجده حاضرا في المجال الأسري ، لذلك سنتناول المسؤولية في قضايا الزواج على مستويين هما :
الفقرة الأولى : المسؤولية العقدية
الفقرة الثانية : المسؤولية التقصيرية
الفقرة الأولى : المسؤولية العقدية .
يعتبر الخطأ العقدي في عقد الزواج هو إخلال أحد المتعاقدين بشروط العقد الرابط بينهما وهذا الإخلال إما يتمثل في امتناع المتعاقدين عن الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها أو في سبب التأخر في الوفاء بها فهل يمكن تطبيق هذا التعريف على الخطأ الأسري ؟
إن الزواج هو” ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل و امرأة على وجه الدوام ، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين ….[15]”
وفي حالة إخلال أحد طرفي العلاقة الزوجية بهذا الالتزام فإن ذلك يعتبر خطأ ، يستمد أساسه من العقد الرابط بين الطرفين ، فيكون بالتالي إخلال أحد الزوجين بشروط عقد الزواج ، خطأ عقديا [16].
لكن التساؤل الذي يمكن طرحه في هذا الصدد، هل الالتزام الناتج عن عقد الزواج هو التزام بنتيجة أم التزام ببذل عناية ؟ إنه لمن الصعب تحديد أي نوع من الالتزامات ينطبق على الالتزامات الناتجة عن عقد الزواج ، ويمكن القول أن مدونة الأسرة عندما نصت في المادة الرابعة على أن عقد الزواج هو الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة ، إنما هو التزام بتحقيق نتيجة ، وبالتالي فإن الالتزامات الناتجة عن عقد الزواج هي التزامات بتحقيق نتيجة لأنه متى لم تتحقق هذه النتيجة فإن ذلك يشكل خطأ عقديا ، إلا أنه في نفس الوقت يمكن القول إن عقد الزواج وإن كانت الغاية منه هو تحقيق نتيجة معينة فإن ذلك رهين بالمجهودات التي يبدلها كل الزوجين وتكون بذلك أمام التزام ببذل عناية .
والأساس القانوني للمسؤولية العقدية في باب الزواج ما نصت عليه المادة 47 من مدونة الأسرة.” أن الشروط كلها ملزمة إلا ما خالف منها أحكام العقد ومقاصده والقواعد الآمرة للقانون وتعتبر باطلة والعقد صحيح ”
والمادة 48 من مدونة الأسرة والتي جاء فيها ” كل الشروط التي تحقق فائدة مشروعة لصاحبها تكون صحيحة وملزمة لمن التزم بها من الزوجين.
وطبقا لمقتضيات المادة 63 من مدونة الأسرة فإن عقد الزواج المشوب بإكراه أو تدليس عند التعاقد فإن المكره أو المدلس عليه من الزوجين له الحق في المطالبة بفسخ عقد الزواج مع حفظ حقه في الحصول على تعويض عما أصابه من ضرر[17] .
ويبقى التأكيد على أن عيب الإكراه والتدليس المنصوص عليهما في المادة 63 من مدونة الأسرة رغم كونهما عيبان يؤثران في إرادة الزوجين ن إلا أن الآثار المترتبة عنهما في مدونة الأسرة تختلف عن الآثار المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود أولا من جهة أن مدونة الأسرة قد رتبت على الإكراه والتدليس الفسخ ، بخلاف قانون الالتزامات والعقود الذي رتب عليهما الإبطال ، كما أن مدونة الأسرة حددت أجل تقادم دعوى فسخ عقد الزواج المقترن بعيب الإكراه أو التدليس في أجل شهرين خلافا لقانون الالتزامات والعقود الذي حدده في أجل سنة[18] .
ولقد عمل القضاء المغربي على تفعيل مقتضيات المادة 63 من مدونة الأسرة على المستوى العملي ، حيث جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالرباط على أنه “حيث إن العلاقة الزوجية قائمة بين الطرفين استنادا إلى عقد الزواج المومأ إليه وحيث قدمت الدعوى داخل الآجل المقرر لرفعها طبقا للمادة 63 من مدونة الأسرة وحيث أوضحت المدعية بأنها كانت ضحية إكراه تمثل في تهديد أستاذها بالرسوب إذا لم تقبل الزواج به … وحيث أجاب المدعى عليه بأنه لا أساس لما تدعيه زوجته من صحة …. حيث إن المحكمة باطلاعها على الوثيقة العدلية المومأ إليها ستقبل الزواج بأستاذها تحت إكراهه لها ولولا ذلك ما قبلت … مما يدل على أن إرادتها إبان زواجها كانت معيبة فعلا بإكراه زواجها آنذاك لها، ويعتبر بالتالي طلبها مؤسسا ويتعين قبوله [19]
الفقرة الثانية: المسؤولية التقصيرية
إن الخطأ التقصيري يتكون من عنصرين أحدهما مادي والآخر معنوي وصور هذا الإخلال يكون إما مخالفة نص قانوني أو في مخالفة التزامات قانونية ففي أي صورة يمكن إدراج الخطأ الأسري ؟.
بالنسبة للصورة الأولى للخطأ في المسؤولية التقصيرية فلا شك أن الالتزامات المترتبة عن الزواج من طرف أحد الزوجين ، يشكل بالتزام قانوني منصوص عليه في مدونة الأسرة من خلال المادة 51 والتي نظمت الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين وبالتالي فإن الإخلال بها يشكل خطأ تقصيريا يترتب عنه مسؤولية تقصيرية ، والصورة الثانية من صور الخطأ المتمثلة في مخالفة التزامات قانونية غير محددة في نصوص ، نجد لها تطبيقا في الميدان الأسري[20] .
إن الأساس القانوني للمطالبة بالتعويض عن الضرر يتمثل في الخطأ التقصيري الناتج عن الإخلال بالالتزامات المفروضة قانونا على الزوجين معا. من أجل الحفاظ على دوام استمرار العلاقة الزوجية بينهما ، واستقرار كيان الأسرة ووحدتها في المجتمع ، مما ينتج عنه أن الإطار القانوني لطلب التعويض هو المسؤولية التقصيرية وليست العقدية [21]
إن المسؤولية التقصيرية تتطلب تحقق عنصر الخطأ لإمكانية المطالبة بالتعويض، وهو الشيء الذي لا يحدث دائما في الالتزامات الأسرية.
وتجدر الإشارة إلى أن العمل القضائي أكد هذا الاتجاه من خلال حكم اعتبر فيه أن الأساس القانوني للمطالبة بالتعويض ليس هو قانون الالتزامات والعقود ، إنما مدونة الأسرة ، حيث جاء في تعليل هذا الحكم ما يلي : ” إن المدعي أسس الدعوى على مقتضيات المادة 78 من قانون ق.ل.ع في حين أن التعويض يتعلق ويرتبط بدعوى التطليق التي ينظمها قانون مدونة الأسرة باعتباره قانون الأحوال الشخصية للطرفين وباعتباره نص خاص هو الواجب التطبيق وخاصة وأنه ينظم التعويض الواجب الحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر حسب ما تنص عليه المادة 97 من مدونة الأسرة[22] .
المطلب الثاني: المسؤولية المدنية في الزواج في القانون المقارن
لقد شكل موضوع المسؤولية المدنية في الزواج جدلا في مختلف التشريعات الوضعية، حيث يعتبر الزواج عقدا يتم بتلاقي إرادة كل من الزوج والزوجة مما يرتب الكثير من الحقوق والالتزامات على عاتق الزوجين، وسنقوم بدراسة المسؤولية العقدية في القانون المقارن (فقرة أولى ) ، ثم المسؤولية التقصيرية في (فقرة ثانية )
الفقرة الأولى : المسؤولية العقدية في القانون المقارن :
إن القول بأن الخطأ العقدي هو عدم تنفيذ المدين لالتزاماته الناشئة من العقد إجبارية، وإذا لم يقم المدين في العقد بتنفيذ التزاماته كان الخطأ العقدي [23].
وجاء في القانون المدني الجزائري وخاصة المادة 176 التي جاء في مضمونها أن المدين يكون مسؤولا بمجرد عدم الوفاء بالتزاماته التعاقدية ما لم يتبين أن سببا أجنبيا حال بينه وبين الوفاء وبالتالي فهذه المادة هي التي تحكم الخطأ العقدي في القانون المدني الجزائري.
وتتمثل بصفة عامة أركان المسؤولية العقدية في الخطأ العقدي المشار إليه أعلاه، والضرر الذي لحق أحد أطراف العقد الذي يقع عليه حق إثباته وأخيرا يجب توفر علاقة سببية بين الخطأ والضرر بأن يكون الخطأ العقدي هو السبب المباشر في وقوع الضرر.
و جاء في المادة 19 من مدونة الأسرة الجزائرية: “للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق كل الشروط التي يرياناها ضرورية ولاسيما شرط عدم تعدد الزوجات وعمل المرأة ما لم تتنافى هذه الشروط مع أحكام هذا القانون “.
وبتحليلنا لهذه المادة وطبقا للقواعد العامة التي تنظم التعويض عن الضرر في الجزائر ومنها المادة 182 من القانون المدني الجزائري، فإن الشروط في عقد الزواج تخضع لأحكام القواعد العامة في التعويض إلا ما استقر منها بأحكام القواعد خاصة، وتطبيقا لذلك فإنه يكون للمرأة التي تضررت من جراء مخالفة شرطها في عقد الزواج كفقدانها عملها بسبب إخلال الزوج بالشرط التي وافق عليه بسماحه للزوجة بمزاولة عملها ، أن تلجأ إلى القضاء وتطالب بالتعويض على ضرر لاحق بها وتؤسس دعواها على أساس المسؤولية العقدية .
وبالتالي بإمكان الزوج المشترط والمتضرر من جراء عدم وفاء الزوج للآخر بالشرط المتفق عليه في عقد الزواج اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر في إطار الإخلال بالمسؤولية العقدية أو متى ثبت للقاضي تحقق الضرر وتوافر شروط حكم بالتعويض على الزوج المخالف للشرط التعاقدي بين الزوجين.
الفقرة الثانية: المسؤولية التقصيرية في القانون المقارن
إن المسؤولية التقصيرية تقوم على التزام قانوني مصدره النص القانوني ويقع على عاتق المسؤول بتعويض المتضرر وعلى ذلك فهي تتحقق كما ارتكبت شخص خطأ وسبب ضررا للغير وكان الالتزام بالتعويض عن الضرر يقوم على فكرة العقاب للمخطئ في ظل الشرائع البدائية والقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم ثم بدأ التعويض يقتصر على الوظيفة الوحيدة للتعويض[24] .
وفي نفس السياق نجد المشرع الجزائري قنن أحكام التعويض الناتج عن المسؤولية التقصيرية في المواد 124 إلى المادة 133 من القانون المدني الجزائري ثم المادة 182 من القانون نفسه، حيث جاء في المادة 124: ” كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض”.
وعلاقة بالموضوع نفسه نص المشرع الجزائري في قانون الأسرة الجزائري على الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين من خلال المادة 36 حين جاء فيها:
فمن خلال هذه المادة يجب على كل زوج أو زوجة التقيد بما تنص عليه وكل إخلال بنصها قد يسائل المخل من الطرفين وفق المسؤولية التقصيرية لأنه أخل بنص قانوني في مدونة الأسرة الذي يعتبر قانون خاص ومنظم للعلاقات والروابط الأسرية.
خاتمة
لقد عرفت مسألة تحديد طبيعة الخطبة جدلا سواء على صعيد الفقه الإسلامي أو القانون الوضعي وحتى في القوانين المقارنة نظرا للأهمية الخاصة للخطبة اجتماعيا وقانونيا لا سيما الدور الهام الذي تلعبه في تحديد أثار الخطبة ، خاصة أثار العدول عنها ، بما فيها إشكال تحديد أساس التعويض عن ضرر العدول عنها ، وما دام إلزام الطرفين بإبرام عقد الزواج أمر غير مستساغ من الناحية الشرعية وحتى القانونية ولا يمكن الحكم به قضاء ، لأن العدول عن الخطبة مكفول للطرفين معا لارتباطه بمبدأ حرية الزواج ، وما دام أيضا الجدل الفقهي قائم بخصوص الطبيعة الفقهية والقانونية للخطبة وجب تحديد تكيف قانوني منصوص عليه في قانون الأسرة المغربي والمقارن حتى يسهل قيام المسؤولية المدنية وحتى لا تضيع حقوق أطراف الخطبة عن العدول عنهما .
وفي سياق أخر نجد عقد الزواج يحضى في القانون المغربي والمقارن بمكانة خاصة حيث اهتم به بعناية بالغة لم تتوفر في باقي العقود المدنية الأخرى لكن ترك تحديد طبيعته القانونية مبهمة، ولذا وجب تحديد طبيعته بشكل صريح حتى يسهل تحديد جزء من أخل بالتزاماته في عقد الزواج.
وفي نفس الطرح واضطلاعا بمبدأ سلطان الإرادة في مجال العقود عمل المشرع المغربي و المقارن على توسيع من إرادة الزوجين وترك لهما مجالا واسعا للتراضي بينهما حول شؤونهما الأسرية بما يساهم في استقرار الأسرة وإفساح المجال للاشتراط ، ولذلك ليس هناك ما يمنع الزوجين من التراضي ولاتفاق بينهما حول تنظيم حياتهما لما في ذلك من توفير لضمانات مهمة لكل من الزوجين وتحصين حقوقهما، لكن عند الإخلال بهذه الشروط من أحد الأطراف لا ينتج لأية اثر نظرا لغياب جزاء واضح ينص عليه المشرع ، لذا وجب تحديد الجزاءات الناتجة عن الإخلال بالشروط التي يضعها الأزواج أثناء عقد الزواج أو في عقود مستقلة حتى تكون لها قيمة واثر قانوني واضح .
-قانون رقم 03/70 بمثابة مدونة الأسرة الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 4 ذي الحجة الموافق ل 5 فبراير 2004.[1]
[2] الحسنية لعديري ، “المسؤولية المدنية للزوجين في ظل مدونة الأسرة ” رسالتي لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، جامعة مولاي
إسماعيل مكناس ، السنة الجامعية ، 2012 /2013 ، ص 19
[3] المادة 5 من مدونة الأسرة
-تنص المادة 5 من مدونة الأسرة على أن “الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج “.[4]
-ينص الفصل 14 من قانون الالتزامات والعقود “مجرد الوعد لا ينشئ إلتزاما “[5] .
-فؤاد بن شكرة .”أثار العدول عن الخطبة في ضل مدونة الأسرة رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، جامعة محمد [6]
الأول وجدة ، السنة الجامعية 2009/2010 ص 76.
-قرار مشار إليه من طرف ، فؤاد بن شكرة ، مرجع سابق ص 76.[7]
-الحسنية لعديري “المسؤولية المدنية للزوجين في ضل مدونة الأسرة مرجع سابق نص 31.[8]
-الحسنية لعديري ،مرجع سابق ،ص 32-33.[9]
-قرار محكمة تولوز الاستئنافية ، صادر بتاريخ 16 فبراير 1913.أورده فؤاد بن شكرة ، مرجع سابق ،ص 67.[10]
-محمد الكشبور ، “الوسيط في شرح مدونة الأسرة “الكتاب الأول ، عقد الزواج وآثاره ، الطبعة الثانية 2009 ، ص189.[11]
-فؤاد بن شكرة ، مرجع سابق ،ص 66.[12]
-محمد الكشبور ، مرجع سابق ص،190[13]
-عبد القادر العرعاري مصادر الالتزامات ، الكتاب الثاني ، المسؤولية المدنية ، الطبعة الثانية دار الأمان ، الرباط ، 2005 صفحة 7 وما[14]
يليها .
-المادة 4 من مدونة الأسرة المغربية [15]
-مليكة الغنام ” التعويض من خلال مدونة الأسرة والعمل القضائي “بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء ، الفوج 35. 2008- 2010 [16]
ص 14.
-مليكة الغنام ، مرجع سابق ص 21.[17]
-أجل تقادم دعوى الإبطال في قانون الالتزامات والعقود هي سنة (فصل 311 من ق.ل.ع.)[18]
[19] حكم رقم 17-2005 صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 14-1-2005 في الملف 01-2005، منشور بمجلة المناهج عدد مزدوج 9-10.
-مليكة الغنام ، مرجع سابق ص 16.[20]
-محمد الكشبور : قانون الالتزامات والعقود وقانون الأحوال الشخصية التداخل والتضارب ، مقال منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد والقانون [21]
العدد 16 ص 133 وما بعدها .
-حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة رقم 2024 بتاريخ 26-09-2007 في الملف رقم 1344/07.[22]
-عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني – مصادر لالتزام – الجزء الأول ، دار النشر للجامعات 1982 ص 656.[23]
-محمد ابراهيم دسوقي ، تقدير التعويض بين الخطأ والضرر، مطبعة دار الفكر العرب 1998. صفحة 228 [24]
أكتوبر 29, 2021 0
مايو 29, 2023 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0
نوفمبر 23, 2020 0