مارس 20, 2017 محمد أبودار بحوث قانونية 0
لم يختلف الفقه في أمر كاختلافهم في تعريف النظام العام، فتعددت التعريفات تعددا يكاد لا ينتهي وتباينت بالتالي فكرة النظام العام من حيث نطاقها، تبعا للنزعة التي انبعثت منها هذه التعريفات إلا أن هذه التعريفات وإن اختلفت في التفاصيل إلا أنها تكاد تجمع على فكرة جوهرية ينصب عليها النظام العام في كل دولة، وإن كان مفهوم هذه الفكرة ومضمونها يختلف من دولة لأخرى.[1]
فالنظام العام فكرة مرنة ومتطورة تختلف باختلاف الزمان والمكان، فما يعتبر متعارضا مع النظام العام في دولة ما لا يعد كذلك في دولة أخرى، وما يصطدم بالنظام العام داخل نفس الدولة في فترة ما قد لا يعد أمرا متنافيا لهذه الفكرة في وقت آخر لذلك يقال إن النظام العام فكرة يكتنفها الغموض وبالتالي يصعب تحديدها على وجه دقيق.
وهكذا فإن جل المحاولات الفقهية لتعريف النظام العام تهدف أساسا إلى تحديد العناصر وفي هذا الإطار ذهب أحد الفقهاء[2] إلى أن :”القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد، فالنظام العام يستمد عظمته من ذلك الغموض الذي يحيط به”.
كما عرفه بعض الفقه بأنه: “مجموعة من الأفكار المرنة التي يصعب تحديدها تحديدا دقيقا وهي تعبر بصفة عامة عن الأسس الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع وتعتبر فكرة النظام العام والآداب العامة من أبرز الأمثلة على الصياغة المرنة للقواعد القانونية”[3]، وعرفه أستاذنا الدكتور الحسين بلحساني بأنه: “مجموعة القواعد والقيم التي تشكل الأسس الجوهرية للمجتمع، هذه القواعد لأن كانت غير محددة إلا أنها راسخة في الضمير الجمعي، متفق على ضرورة النزول عند أحكامها”.[4]
وهكذا يتضح أن فكرة النظام العام تعد صعبة من حيث إيجاد مدلول لها والسبب في هذا ما يثيره مضمونه من ضوابط تختلف حسب الزمان والمكان، ولذا فإن منظور النظام العام لا يستقر على حالة بل هو يختلف ويتطور ويرجع ذلك إلى اختلاف المرجعيات المحددة له.[5]
وفكرة النظام العام تعتبر من أكثر الآليات القانونية استجابة للمتغيرات الاقتصادية والسياسية وهي تعكس بحق الأفكار الأساسية التي قد تسود في مجتمع من المجتمعات، وتجد هذه الفكرة مجالها الخصب في العلاقات الأسرية باعتبار أن هذه الأخيرة هي الميدان الذي كان ولا يزال الأكثر ارتباطا بقواعد الشريعة الإسلامية[6] ابتداء من إبرام عقد الزواج إلى حين انتهائه وما يترتب عن هذا الإنهاء من آثار.
لكن باعتبار المغرب يعرف هجرة دائمة لأفراده نحو البلدان الأوربية بالخصوص واستقرار عدد مهم منهم هناك، فإن هذا الاستقرار فرض عليهم الخضوع لقيم حضارية ومبادئ تشريعية قد لا تنسجم أو تتوافق مع القيم والمبادئ المقررة في الدولة الأصل، وكذا أن يكونوا أطرافا في روابط أسرية بأرض المهجر، الأمر الذي يحتم عليهم في حالة النزاع اللجوء إلى قضاء دولة الإقامة من أجل استصدار أحكام قضائية لإنهاء الخلافات القائمة بسبب تلك الروابط.
ولما كان المغرب من الدول التي كانت تراهن على قواعد الإسناد الأجنبية التي كانت تعطي الاختصاص لقانون الجنسية وذلك لضمان نفاذ الأحكام الواردة في مدونة الأحوال الشخصية على جميع المغاربة المقيمين بالخارج، وبالتبعية ضمان تنفيذها أمام المحاكم الوطنية، فإن الواقع الحالي يشهد على هشاشة هذا الرهان في ظل التحولات الكبيرة التي يعرفها النظام العام في أوربا، من خلال ارتكازه على المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وخاصة الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان[7]، التي أصبحت تشكل إطارا مرجعيا للنظام العام الأوربي، مما يعني أن الخيارات المتاحة أمام الجانب المغربي لم تعد تخرج عن العمل على مراجعة قوانينه المحلية بهدف إعطائها فرص أكثر للتطبيق ثم السعي نحو تسهيل تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم الدول الأوربية أو حتى تلك التي تصدرها المحاكم المغربية.
وفي إطار التقريب بين المرجعيات المحددة للنظام العام فإن المشرع المغربي قام بإصدار مدونة الأسرة[8]، وذلك بما يتماشى والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها في هذا المجال ودون الخروج عن الثوابت الشرعية في الشريعة الإسلامية مسجلا بذلك التفاتة نحو أوضاع الأسرة المغربية القاطنة بالخارج، والتي تتجسد في عدة مواطن وبصيغ متنوعة.
وانطلاقا مما سبق فإن الإشكالية التي يعالجها هذا البحث تكمن في طبيعة المرجعية المحددة للنظام العام في العلاقات الأسرية؟ وإلى أي حد ساهمت مدونة الأسرة في تطور النظام العام؟
دوافع اختيار الموضوع وأهميته:
هناك دوافع كثيرة دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع لعل أهمها ما يلي:
صعوبات البحث في الموضوع:
لقد كانت صعوبة حصر الموضوع وجمع شتاته من أهم الصعوبات التي اعترضت إنجاز هذا البحث، باعتبار أن اختياري للبحث في موضوع محددات النظام العام بين الثبات والتطور قد فرض علي التطرق للكثير من النقط التي يطرح فيها النظام العام بحدة، بالإضافة إلى قلة المراجع التي تناولت النظام العام في الشريعة الإسلامية.
المناهج المعتمدة في البحث:
من المسلمات البديهية في مجال الكتابة القانونية التكامل في المناهج، فلا يتصور الاقتصار في بحث موضوع قانوني على أساس منهج معين، وعلى هذا الأساس اعتمدت في بحثي على مناهج متعددة خاصة المنهج الاستدلالي[9] كما استعنت بالمنهج النقدي والمقارن كلما تطلب الأمر ذلك.
خطة البحث :
نظرا لأهمية الموضوع والإشكالات التي يطرحها على المستوى العملي فإنني ارتأيت الإجابة عنها عبر تقسيمه إلى فصلين وذلك على الشكل الآتي:
الفصل الأول : المرجعية المحددة للنظام العام في العلاقات الأسرية
الفصل الثاني: مظاهر تطور فكرة النظام العام في العلاقات الأسرية
———————————————————–
[1] عمر بلمامي، أثر الاتفاقيات الدولية في إعمال فكرة النظام العام، دراسة في ضوء القانون الدولي الخاص، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الجزء 3 رقم 1 السنة 1995، ص 190.
[2] عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الأول، دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الثانية ص 339 .وعرفه الدكتور محمد شلح بأنه: “مجموعة القواعد التي تهدف إلى تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي الذي لا يمكن الاستغناء عنه لضمان المصلحة العامة وبالتالي ضمان بقاء الدولة وسيرها على نهج النظرة العامة للوجود التي تجد فيها مشروعيتها”.
– محمد شلح، سلطان الإرادة في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، أسسه ومظاهره في نظرية العقد، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط، 1983، ص 190.
[3] محمد الكشبور، الوسيط في قانون الأحوال الشخصية ، الطبعة الأولى 1999، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص 68/69
[4] أستاذنا الحسين بلحساني، الموجز في القانون الدولي الخاص المغربي، مطبعة الجسور وجدة، طبعة 2000، ص 115
[5] يقصد بالمرجعية في مفهومها القانوني منظومة من المبادئ العامة المترابطة والمتناسقة التي يستند عليها كل إنتاج قانوني داخل نسق اجتماعي معين، هذه المبادئ العامة تنبني على القيم الدينية أو الفلسفية أو الأخلاقية الخاصة بنسق حضاري معين أو بأنساق حضارية متعددة.
– زهرة الصروخ، في ضرورة إعادة بناء المرجعية، مدونة الأسرة، تقييم ومعالجة، مجلة المنتدى، العدد الخامس، السنة 2005، ص 193
[6] المسعودي العياشي، محاضرات في القانون الدولي الخاص المغربي، كلية الحقوق، فاس، الطبعة 1992، ص 267
[7] تمت المصادقة على الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان من طرف المجلس الأوربي سنة 1950 ودخلت حيز التنفيذ 1953.
انظر الموقع الالكتروني:
http://fr.wikipedia.org بتاريخ 09/07/2009
[8] ظهير شريف رقم 22-04-1 صادر في 12 ذي الحجة 1424 الموافق ل 3 فبراير 2004 بتنفيذ القانون رقم 70-03 بمثابة مدونة الأسرة والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 05/02/2004 ص 418.
[9] – للمزيد من المعلومات حول المناهج القانونية المعتمدة في البحوث القانونية، انظر :
– أستاذنا إدريس الفاخوري، مدخل لدراسة مناهج العلوم القانونية، الطبعة الثانية 2007، مطبعة دار النشر الجسور وجدة ص:3
مايو 29, 2023 0
يونيو 01, 2022 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0
أبريل 11, 2017 0
أبريل 11, 2017 0
مارس 30, 2017 0
مارس 30, 2017 0