مدى صلاحية المحكم لاتخاذ الإجراء الإستعجالي للباحث: ياسين الكيوي

تقديم :

يعتبر التقاضي أمام المحاكم التي تقيمها الدولة هو الطريق العادي لفض المنازعات، لكن نظرا لما يتسم به هذا الطريق من سلبيات تتمثل أحيانا في تعقيد  المساطر ، و البطء في الإجراءات ، وتراكم القضايا بسبب التأخير في إصدار الأحكام . كلها عوامل أدت إلى النفور من هذا القضاء ، خاصة بالنسبة للتجار و المستثمرين ، أمام هذا الوضع أصبح من اللازم على الدول إيجاد آليات بديلة لتسوية المنازعات ([1]) ، تقف إلى جانب القضاء و تخفف الضغط عنه .

و يعتبر التحكيم من أهم هذه الآليات البديلة التي اهتدت جل الدول إلى إقرارها ([2] ) نظرا لما يتسم به من مزايا كسرعة في الفصل في النزاع ، والمرونة في الإجراءات ، و سرية الجلسات وحرية اختيار المحكمين…

لكن رغم كل المزايا التي يتسم بها نظام التحكيم ، فان العملية التحكيمية تتعرض في العديد من الأحيان لظروف و ملابسات تستدعي تدخلا عاجلا ، لاتخاذ مجموعة من التدابير الاستعجالية ، تفاديا للأضرار التي من المحتمل أن تلحق بأحد طرفي العلاقة التحكيمية .

إذن فالهدف من هذه التدابير الاستعجالية ، ليس حل النزاع بطريقة مباشرة ، و إنما الهدف هو ضمان حق الدائن من الضياع إلى حين الفصل في موضوع النزاع بحكم نهائي .

و تعتبر الإجراءات الوقتية و التحفظية من أهم التدابر الإستعجالية التي أثارت نقاشا واسعا حول مدى صلاحية المحكم لاتخاذها .

فهناك من يذهب إلى أن المحكم له الصلاحية لاتخاذ هذه التدابير، و هناك من ينفي عنه ذلك.

فالتساؤل الذي يطرح في هذا الإطار ، هل المحكم له صلاحية اتخاذ الإجراءات الوقتية و التحفظية . أم انه لا يملك هذه الصلاحيات ؟

هذا ما سنحاول معالجته من خلال هذا الموضوع. لكن قبل ذلك لابد أولا و قبل كل شئ من تحديد ماهية هذه الإجراءات الوقتية و التحفظية .

إذن لمعالجة هذا الموضوع يقتضي منا الأمر أولا تحديد ماهية هذه الإجراءات الوقتية و التحفظية في مجال التحكيم ، ما هي خصائصها ، الجدل الفقهي و التشريعي حول مدى صلاحية المحكم لاتخاذها ، الشروط الواجب توافرها لاختصاص المحكم بها ، طبيعة القرارات الصادرة عن المحكم بخصوص هذه الإجراءات الوقتية و التحفظية ، و ما هي أثارها .

[1]  الوسائل البديلة لتسوية المنازعات هي تلك الآليات التي يتفق الأطراف على اللجوء إليها عوضا عن القضاء العادي سواء عند نشوء خلاف بينهم أو قبل نشوئه، بغية التوصل لحل لذلك الخلاف.

و قد تطرق المشرع إلى هذه الآليات في القانون رقم 08.05 الذي يقضي بنسخ و تعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية في كل من التحكيم التجاري الداخلي و الدولي و كذلك الوساطة الاتفاقية.

[2]  تجدر الإشارة إلى أن نظام التحكيم و إن كان قديما قدم البشرية بحيث لم يقتصر ظهوره على حضارة معينة ، إلا أن الفترة الحالية تعتبر ازهي فترات ظهوره و انتشاره و لعل ذالك راجع بالأساس إلى اتساع نطاق التجارة الدولية و كثرة و سائل المواصلات السريعة ، و تزايد أهمية الشركات الدولية . راجع فوزي محمد سامي ، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثانية، 1992 ، دار الثقافة للنشر و التوزيع ، عمان ، ص 5 .

و قد تطرق المشرع المغربي إلى التحكيم في الفصل 306 من القانون رقم 08.05 فعرفه بأنه ” يراد بالتحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم ” .

و هذا التحكيم ليس على نوع واحد ، فهو إما أن يكون اختياريا أو إجباريا أو داخليا أو دوليا أو حرا أو مؤسساتيا . للمزيد من التفصيل حول هاته الأنواع من التحكيم ، راجع حنان شهبي ، التحكيم الحر و التحكيم المؤسساتي – دراسة مقارنة – رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص نوقشت بجامعة الحسن الأول ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، سطات ، السنة الجامعية 2011 – 2012 .ص 05 و ما بعدها.

يرجى الضغط هنا لتحميل المقال كاملا

ربما يعجبك أيضا ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *