يونيو 01, 2022 محمد الامام العزاوي الرئيسية 0
علي العزاوي باحث بكلية الآداب بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
يعتبر عقد الزواج بمثابة عهد وميثاق بين الزوجين، فهو يعقد بنية الدوام والاستمرار لينصهر كل واحد منهما في ذات وكيان الآخر في جو من السكينة والمودة والرحمة لذا يجب أن يبنى هذا العقد على أسس سليمة مصداقا لقوله عز وجل: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون“.
ولما كان للزواج كل هذه الأهمية، فقد وضع له الشارع الحكيم مقدمة تمهيدية وسابقة عليه، تسمى بالخطبة، وهي مرحلة أساسية يتم بمقتضاها اختيار طرفي العلاقة الزوجية لبعضهما البعض من نواحي متعددة، وذلك من خلال اطلاع كل منهما على أحوال الآخر، ومعرفته عن طريق التحري والسؤال عنه واختيار مدى استعداده لتحمل المسؤولية الناجمة عن تأسيس أسرة سليمة على أساس المودة والألفة والتفاهم، كما يتهيأ من خلالها كل من الطرفين للانتقال إلى بيت الزوجية كل من جانبه، حسب ما هو متعارف عليه، وعلى أساس هذا الإطلاع فإما أن يبرما عقد الزواج وإما أن يصرفا النظر عنه.
والأسرة على هذا الأساس من أهم ركائز ودعائم المجتمع، وبالتالي تشكل اللبنة الأولى والخلية الأولى بالنسبة له. وعلى هذا الأساس لم يشَأ الله سبحانه أن يجعلَ الإنسان كغيره من العوالِم، فيَدَع غرائزه تنطلق دون وعي، ويترك إتصال الذكر بالأنثى فوضى لا ضابط له، بل وضع النظام الملائم لسيادته، والذي من شأنه أن يحفظ شرفه ويصون كرامته، فجعل اتِّصال الرجل بالمرأة كريمًا مبنيًّا على رضاهما، وعلى إيجابٍ وقَبول كمَظهرينِ لهذا الرضا، وعلى إشهادٍ، على أن كلًّا منهما قد أصبح للآخر[1].
ومما لا شك فيه، أن الإنسان فطر على التناسل والتكاثر عن طريق الزواج الشرعي باعتباره عماد الأسرة القويم وهو سنة الله في الكون[2]، قال تعالى :
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً“[3]
وفي نفس السياق، فقد كتب الله الزواج على الإنسان والحيوان والنبات، مصداقا لقوله عز وجل : ” وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”[4]
وكما هو معلوم أن الزواج عبادة يستكمل الإنسان بها نصف دينه، فقد شرع الله الزواج لحكمة بالغة وجعله عماد الأسرة الذي تلتقي فيه الحقوق والواجبات بين الزوجين في إطار من الانتظام والتكامل والعدل التام الذي يتحقق من خلاله بقاء النوع الإنساني على أكمل وجوه البقاء[5]، وأن يجد كل من العاقدين في صاحبه الأنس الروحي الذي يؤلف الله تعالى بينهما، وتكون به الراحة وسط متاعب الحياة وشدائدها[6].
وهكذا يعتبر عقد الزواج، الذي يبرم يين رجل وامرأة، من أهم العقود المدنية وأعظمها شأنا وأبعدها أثرا في حياة الفرد وفي بناء المجتمع[7].
ومن مظاهر أهمية الزواج واهتمام الشارع الإسلامي به -بل والمشرع الوضعي كذلك- أنه قد وضع له مقدمات تمهد له وتكفل للطرفين حسن الاختيار والسير على قاعدة الاستمرار لضمان حياة زوجية مستقرة[8]. والمقصود بالمقدمات في هذا الصدد، الخطبة باعتبارها خطوة سابقة لإبرام عقد الزواج .
إن لفظ الخطبة خضع بدوره لعدة تعاريف، نذكر من ذلك التعريف الذي جاءت به مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، التي نصت على ما يلي “الخطبة وعد بالزواج وليست زواج ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا ”
واصطلاحا تعرف بكونها طلب الرجل يد امرأة معينة للتزوج بها والتقدم إليها وذويها والمفاوضة في أمر العقد ومطالبه ومطالبهم بشأنه[9].
ومن جهته عرف المشرع المغربي الخطبة في المادة الخامسة من مدونة الأسرة بقوله :
“الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج.
تتحقق الخطبة بتعبير طرفيها بأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج، ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا.””
وفضلا عن ذلك أجاز المشرع في المادة السادسة من مدونة الأسرة إمكانية العدول عن الخطبة باعتبار الطرفان في فترة الخطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج، وهنا يتضح لنا جليا، أن المشرع جعل للخطبة ضوابط تحكمها،المتمثلة في كون الإشهاد هو الذي ينقل المخطوبين من مرحلة الخطبة الى مرحلة الزواج.
ولكل من الطرفين حق العدول عنها.-وقد يكون العدول إما بإتفاق الطرفين أو بقرار من احدهما-[10]. وفي هذا الصدد فالعدول لا تترتب عنه أي مسؤولية سواء كان من قبل الخاطب أو المخطوبة. وهذا ما أشارت إليه مدونة الأسرة في مادتها السابعة، “”ومنه مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض، غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض”” .
ولكن قد تطرح بعض المشاكل القانونية في حالة الخطبة التي تنتهي من غير الزواج والتي تتعلق أساسا بمصير الهدايا والصداق التي تقدم من قبل الخاطب بالخصوص إلى المخطوبة، كما ينبغي الإشارة الى موضوع نسب الحمل الناتج أثناء فترة الخطبة الذي بدوره أخد حيزا كبيرا من النقاش نظرا لارتباط هذا الموضوع بالمنظومة الدينية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية للمجتمع .
وعلى ضوء هذا التقديم، يمكننا طرح إشكالية لمناقشة موضوعنا هذا، والتي تتمحور حول ما يلي:
— ما هو مصير الهدايا والصداق المقدم في مرحلة الخطبة عند العدول عنها؟ وكذا الآثار المترتبة عن الحمل الواقع خلال فترة الخطبة ؟
ولخوض غمار هذه الإشكالية نقترح التصميم الآتي بيانه :
– المطلب الأول : مصير الصداق والهدايا في حالة العدول عن الخطبة
– المطلب الثاني : آثار الحمل الواقع خلال فترة الخطبة
مايو 29, 2023 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0
أكتوبر 29, 2021 0
مايو 29, 2023 0
أكتوبر 29, 2021 0
يوليو 30, 2020 0
يونيو 20, 2020 0