أصبح اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات أمرا ملحا في الوقت الراهن، وذلك من أجل تلبية متطلبات الأعمال الحديثة، التي لم تعد المحاكم العادية قادرة على التصدي لها بشكل منفرد، حيث أن التطور الهائل الذي عرفه قطاع الصناعة والتجارة والخدمات، وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات، والحاجة إلى السرعة والفعالية في البث في النزاعات التي قد تنشأ بشأنها، وإيجاد جهة مختصة للنظر فيها، ظهرت الحاجة إلى آليات ووسائل قانونية تمكن الأطراف من حل خلافاتهم بشكل سريع وفعال ومرن وبحرية لا تتوفر عادة في المحاكم، وهو ما أدى إلى ظهور وسائل أخرى لحل النزاعات إلى جانب القضاء، تسمى بالوسائل البديلة لحل النزاع، Alternative Disputes Resolution واختصرت وعرفت ب A.D.R وانتشرت هذه الوسائل في العديد من الأنظمة القانونية، وأصبحت تشكل بديلا عن قضاء الدولة، ويتم اللجوء إليها في كافة النزاعات المدنية والتجارية والإدارية والأسرية والجنائية[1]، بل ودخلت إلى مجال الرياضة وأصبحت من الوسائل المفضلة لتسوية المنازعات الرياضية[2].
ويقصد بهده الوسائل تلك الطرق والآليات التي يلجأ إليها الأطراف لحل نزاعاتهم خارج نطاق المحاكم والهيئات القضائية الرسمية، وفقد عرفت انتشارا واسعا في الآونة الأخيرة بفعل تطور ظروف التجارة والاستثمار على الصعيدين الوطني والدولي، لما تتضمنه من اقتصاد في الوقت والنفقات لحل النزاعات، كما ترسخ هده الآليات ثقافة الحوار والتسامح وتنمي العلاقات الاجتماعية والأسرية إضافة إلى مرونتها من حيث إجراءات حل النزاع والقواعد المطبقة عليها.
وبالتالي أضحت هذه الوسائل البديلة ضرورة وطنية لخدمة الاقتصاد وتنمية الاستثمارات الأجنبية، خاصة عندما يشعر المستثمر الأجنبي أن قضاء تلك الدولة لا يحقق له الضمانات الكفيلة بصيانة حقوقه وحفظ رؤوس أمواله من العبث والضياع.
ورغم أهمية الوسائل البديلة لحل المنازعات إلا أنها لا تتمتع باستقلال تام عن القضاء؛ إذ غالبا ما تتم تحت إشرافه وتمارس بمبادرة منه، فهي إما أن تكون قضائية إذا مورست من قبل القضاء، وقد تكون غير قضائية عندما تمارس خارج الجهاز القضائي للدولة. لكن الإشكال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الفرق بين الوسائل البديلة لحل المنازعات وقضاء الدولة؟ وما هي طبيعة العلاقة بينهما؟
[1] انظر:أشرف رمضان، الوساطة الجنائية ودورها في إنهاء الدعوى العمومية، الطبعة الأولى، الناشر دار النهضة العربية 2004 الصفحة 17 وما بعدها
رامي متولي القاضي، الوساطة الجنـائية كأحد بدائل الدعوى الجنائية دراسة تحليلية مقارنة في التشريع الفرنسي والتشريعات العربية، مقال منشور بالمجلة الدولية للفقه والقضاء والتشريع، المجلد 2 العدد 1 سنة 2021 الصفحة 220 وما بعدها.
[2] انظر عايد أحمد عايد الخرابشة، التحكيم في المنازعات الرياضية وفق محكمة التحكيم الرياضية الدولية، مقال منشور بالمجلة الدولية للدراسات القانونية والفقهية المقارنة، المجلد الثاني، العدد الأول، 9-26 نيسان 2021، الصفحة 9 وما بعدها
بن عامر حاج ميلود، التحكيم الرياضي، مدكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الرياضي، جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس كلية الحقوق والعلوم السياسية السنة الجامعية 2016-2017.
محمد مرسي عبده، لتحكيم في المنازعات الناشئة عن عقود العبي كرة القدم المحترفين: دراسة تحليلية مقارنة في لوائح كرة القدم السعودية والإماراتية، مقال منشور بمجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، المجلد 17 العدد 2 ربيع الثاني 1442 هـ \ ديسمبر 2020 الصفحة 67.
