أكتوبر 29, 2021 afaqdroit الرئيسية, مقالات قانونية 0
التطبيق القضائي للمذهب المالكي في كل ما لم يرد به نص في مدونة الأسرة – يوسف بن الشيخ
يعتبر المذهب المالكي من المذاهب السنية الاربعة، الى جانب كل من المذهب الحنفي والشافعي والحنبلي وفقهاء هذه المذاهب الكبرى ولئن اختلفوا في بعض المسائل الفرعية فانهم متفقون على كل الاصول الفقهية.
وتبرز أهمية الفقه المالكي بالنسبة للقضاء المغربي في كونه المصدر التاريخي والرسمي لمختلف القوانين المعمول بها سيما في المجال المعاملات والاسرة والعقار، والتي اعتمد المشرع في سن قواعدها على احكام هذا الفقه واصوله الشرعية كمصدر مباشر يستمد منه القواعد القانونية، اضافة الى اعتماده- اي الفقه المالكي- كمصدر مكمل لما لم يرد به نص في تلكم المسائل.
فإلى جانب اعتماده في مجال المعاملات وتنظيم العلاقات بين العباد، يعد الفقه المالكي المذهب المعمول به في تنظيم علاقات الفرد بخالقه عزو وجل اذ تستنبط منه احكام العبادات من صلاة وصوم وزكاة وغيرها تحقيقا لفضيلة الاتحاد والوحدة والاعتدال.
وتبقى المادة 400 من مدونة الأسرة السند القانوني للقضاء في اعتماده على أحكام وأراء فقهاء المالكية في كافة النوازل المطروحة والتي قد يسكت المشرع الأسري عن تنظيم ما استشكل منها ومن ثمة فهو خول مكنة واسعة لقاضي الموضوع في رجوعه لأحكام الفقه المالكي في كافة المسائل التي تثار بمناسبة إبرام ميثاق الزوجية أو عند انحلاله وهذا على عكس ما كان منصوص عليه سابقا في مدونة الأحوال الشخصية والتي كانت تحيل على الراجح والمشهور وما جرى به العمل من مذهب امام مالك في نصوص محددة.
إن تطبيق قواعد الفقه المالكي في هذا الصدد، مرده ايجاد الحلول للنوازل الماثلة امام القضاء، فالقضاء عدل الله في الارض وبه تصان الدماء وتحمى الحقوق وتكرس مبادئ العدل والمساواة وقيم المعاشرة بالمعروف والاستقرار الاسري، اعتبارا لكون الاسرة هي الخلية الاساسية للمجتمع كما انها عامل من عوامل التنشئة الاجتماعية فيه.
ونعتقد أن العمل القضائي من خلال تنزيله هذه القواعد على النوازل والوقائع المطروحة امامه يساهم بلا شك وبشكل كبير في تكريس هذه المبادئ القانونية والمقاصد الشرعية جلبا للمصالح ودرء المفاسد واستجابة لقواعد التيسير والمرونة التي يقوم عليها النظام العام الاسري وهو ما ينعكس ايجابا على حياة عموم المواطنين باعتبار ان النصوص القانونية والقواعد الفقهية المطبقة في المجال الاسري لا تستثني احدا ان صح القول فهي بذلك تلامس كيان المجتمع بجميع مكوناته.
بناء على هده التوطئة ولمقاربة موضوع بحثنا سنعتمد الخطة التالية:
الفصل الاول: التأصيل الفقهي للإفتاء بالراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي كمصدر تكميلي لنصوص مدونة الاسرة.
الفصل الثاني: التطبيقات القضائية لأحكام الفقه المالكي فيما لم يرد به نص في مدونة الاسرة.
————–
الفصل الأول: التأصيل الفقهي للإفتاء بالراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي كمصدر تكميلي لنصوص مدونة الاسرة.
إن تناول قواعد وأحكام الفقه المالكي بالدرس والتحليل تحيل على مسألة الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي كمصدر تكميلي لنصوص مدونة الاسرة ومن ثمة فان التأصيل الفقهي لهذه المسألة يعد ضرورة علمية وعمليةتساهم في فهم ماهية الموضوع وتأطير مجاله وذلك من اجل مقاربة الموضوع مقاربة علمية دقيقة وللوصول الى هذا المبتغى سنعمل الى تقسيم هذا المبحث الى مبحثين نتطرق في الاول منه الى تحديدالتأصيل الفقهي لمسألة الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي على أن نتطرق للفقه المالكي كمرجع لما لم يرد به نص في مدونة الأسرة في مبحث ثاني.
المبحث الأول: التأصيل الفقهي لمسالة الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي.
اجتهد فقهاء المالكية في سبيل اصدار الفتاوى في النوازل المستجدة الماثلة امام القضاء في كافة المجالات (المعاملات، الاحوال الشخصية…) في ظل غياب النص تماشيا مع روح الشريعة الاسلامية الغراء وذلك باستقراء نصوص القران و الاحاديث النبوية الشريفة فخلفوا بذلك ثروة فقهية وقواعد اصولية تشكل المرجع الذي يستند عليه القضاء في التصدي للنوازل التي لم يرد بها نص في مدونة الاسرة والتي من بينها قاعدة الراجح والمشهور وما جرى به العمل.
سنحاول في هذا المطلب تحديد المقصود بالراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي وضوابط الافتاء بهمع ابراز المقاصد الشرعية المرجوة من خلال الاستنادعليه.
المطلب الأول: التحديد المفاهيمي للراجح والمشهور وما جرى به العمل في الاصطلاح المالكي.
إن الباحث في دواوين المذهب المالكي ومصنفاته كالنوادر والزيادات، والبيان والتحصيل، وشروح الرسالة، وشروح خليل، وغيرها يلاحظ كثرة الروايات والمراد بها أقوال أمام مالك غالبا، والأقوال والمراد بها اقوال اصحابه ومن بعدهم من المتأخرين غالبا، والمراد بالأقوال هنا ما يشملهما، وهذه الروايات والأقاويل ليست على درجة واحدة من الافتاء بها، بحيث يجوز الافتاء باي قول منها، بل هي على مراتب حسب ما صنفها متأخرو المالكية على النحو التالي:[1]
وعرفه الفقه بأنه اتفاق اهل المذهب دون غيرهم من علماء المذاهب. اي اتفاقهم على حكم وما يعبر عنه في بعض الاحيان بالمذهب، والمذهب قد يطلق في بعض الاحيان على الراجح، والمشهور، مما يتوجب معه على المفتي التأكد والتثبت في أي مسالة من المسائل حكي فيها الاتفاق، وذلك بمراجعة أمهات المذهب المالكي مراجعة دقيقة، بحيث لا يحكى الاتفاق فيما فيه خلاف.[2]
وتبعا للعلل المذكورة فانه ومتى كان المسألة المستفتى عنها قول متفق عليه كانت مرتبته الاولى في الفتوى، وعليه الاعتماد، قال الهلالي: ” الذي تجوز به الفتوى اربعة اشياء: احدها القول المتفق عليه “.[3]
ما يمكن ملاحظته في بادئ الامر على هذا المستوى تعدد الآراء الفقهية التي حاولت ضبط مصطلح الراجح والمشهور ومن ثمة فإننا سنورد التعاريف التي أوردها الفقه في هذا المضمار على أن نبين التعريف الراجح من بينها.
فقيل في الراجح هو ما قوي دليله، وقيل ما كثر قائله فيكون بهذا مرادفا للمشهور فقال أبو الشتاء الصنهاجي المالكي:[4]
إن يكن الدليل قد تقوى فراجح عندهم يسمى
ومقابل الراجح يسمى ضعيفا والضعيف: ما لم يقوى دليله، والراجح في المرتبة الثالثة في الإفتاء في المذهب المالكين، اي اذا لم يكن في المسألة قول متفق عليه، ولا قول جرى به العمل (وسنقوم بتحديده في إبانه)، وكان هناك قول راجح فالفتوى تكون بالراجح، واذا كان في المسالة قول راجح قول أرجح منه، فالفتوى بالأرجح.[5]
أما عن المشهور فقيل ما قوي دليله فيكون بهذا المعنى مرادفا للراجح وهو قيل ان مسائل المذهب تدل على ان المشهور ما قوي دليله، وان مالكا رضي الله عنه كان يراعي من الخلاف ما قوي دليله لا ما كثر قائله فيما رجح الهلالي في نور البصر ان المشهور هو ما كثر قائله و ايده في ذلك الدسوقي وقال هو المعتمد، وقال في مكان اخر: والمشهور هو ما كثر قائله ولو كان مدركه ضعيفا، وقال القادري: والصواب هو ما كثر قائله، وقد نظم هذا المعنى ابو الشتاء الصنهاجي:[6]
وان يكن الدليل قد تقوى فراجح عندهم يسمى
والقول ان كثر من يقول به يسمى بمشهور لديهم فانتبه.
ومقابل المشهور يسمى شاذا، والشاذ: القول الذي لم يصدر عن جماعة، ومرتبة المشهور في الفتوى تأتي بعد الراجح على راي اغلب الفقهاء والاصوليين ان انه اذا لم يكن في المسالة قول راجح كان الافتاء بالمشهور فقال محمد النابغة الشنقيطي: “فبعده المشهور”، اي بعد الراجح في الفتوى المشهور، واذا كان في المسألة قول مشهور وقول اشهر منه، كان الإفتاء بالأشهر، لأنه أقوى.[7]
يقصد بما جرى به العمل الأخذ بالقول ضعيف، أو شاذ، في مقابل الراجح، او المشهور لمصلحة، او ضرورة، او عرف او غير دلك من الاسس، ويبدو من هذا التعريف ان ما جرى به العمل نوع من الاجتهاد المذهبي، اذ يقوم على اختيار قول ضعيف من عالم، او قاض اهل لذلك، اي نوع من الاجتهاد داخل المذهب لأنه القادر على مقابلة القول الضعيف أو الشاذ، بالراجح، او المشهور، ونظر الى الأدلة التي يقوى بها ذلك القول على غيره.[8]
وقال محمد بن الحسن الحجوي: وهذا مبنى على اصول في المذهب المالكي…، فاذا كان العمل بالضعيف لدرء مفسدة، فهو على اصل مالك في سد الذرائع، أو جلب مصلحة، فهو على اصله في المصالح المرسلة…، فاذا زال الموجب، عاد الحكم للمشهور، لان الحكم بالراجح، ثم المشهور واجب.[9]
وقد عرفه الشيخ ابن بيه بقوله:” الأخذ بقول ضعيف في القضاء والفتوى من عالم يوثق به في زمن من الازمان، ومكان من الامكنة، لتحقيق مصلحة، او لذرء مفسدة أي سد الذريعة.[10]
وتبعا لذلك فان من أهم قواعد الترجيح عند المالكية تقديم ما جرى به العمل على غيره، والمقصود بتقديم ما جرى به العمل:القضاء والحكم. نشأ من الاتجاه القضائي التوثيقي من الفقه المالكي:أن انفتحت للقضاة أبواب واسعة للاجتهاد في الأخذ بالأحكام المنصوص عليها في دواوين المذهب على وجه قد يحملهم على مخالفة المنصوص أو المشهور: إذ يرون ذلك ضرورة الى تحقيق مقصد الشرع من صلاح الناس، فيصبح جريان العمل القضائي مخالفا في جزئيات لما هو مأخوذا به في كتب الفقه.[11]
ويستشف من ذلك انه لا يأخذ بهذه القاعدة الترجيحية ومن ثمة العدول عن الراجح والمشهور الا لموجب يقتضي العدول عنه وتقديم الشاذ والضعيف وهذه الموجبات حددها الشارع في العرف الصحيح الذي استقر عليه الناس في سلوكهم واعتادوا على الاخذ به في معاملاتهم بما لا يخالف احكام الشريعة وفي جلب المصالح درء المفاسد (سد الذريعة).[12]
وتجدر الإشارة إلى أن الفرق بين ما جرى به العمل والعرف تتجلى في كون الاول هو حكم الائمة بقول ضعيف او شاذ، واستمرار حكمهم به، اما الثاني فهو عمل العامة من غير استناد لحكم من قول او فعل.[13]
وقيل أن القاضي إذا عرضت له قضايا ونوازل ينتج عن الحكم فيها بالمشهور وللراجح مفسدة، أو تحدث مضرة أو تضيع مصلحة، أو يأتي الحكم فيها مخالفا لعرف صار في الناس، أو مخالفا لعادة جرت على تصرفاتهم، ولا يخرج القاضي من هذا المحظور إلا بالوقوع في المحظور الذي نبهنا عليه وهو ترك المشهور والراجح : والقول الضعيف وهنا ينشأ ما يسمى بالعمل، وما جرى به العمل. لأن ما جرى به العمل هو:أن يحكم القضاة في نازلة من النوازل مقلدين لقول ضعيف مخالفين للمشهـور والراجـح لأمــر اقتضتــه الضـــرورة، مــع استقـــرار القضــــاء عليــــه، وعمل القضاة به[14].
إن تعدد النوازل وتنوعها وتداخل المصالح وتشعبها، وما يحدثه الناس من أمور تقتضي ابتداع حلول لها لحل مشاكلهم، كما قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه “تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور”كل ذلك يفرض على القاضي أن يبحث في التراث الفقهي الذي يستند عليها في حل المعضلة التي بين يديه، فإذا لم يسعفه الراجح أو المشهور بحث حتى في الأقوال الضعيفة، والمهم عنده أنتبقى أحكامه داخل اطار الشريعة ولا تخرج عليها، ومن ثمة فالقاضي عندما يختار القول الضعيف، ويترك المشهور والراجح، إذا تبعه القضاة في ذلك نشأ ما يسمى بما جرى به العمل، إذا لم يتبعه القضاة في ذلـــك لـــــم ينشـئ العمل وبقي الحكم حكما فرديا لا أقل ولا أكثر .[15]
وتأتي مرتبة ما جرى به العمل في الفتوى بعد المتفق عليه، يعني أنه إذا لم يكن في المسألة قول متفق عليه، وفيها قول جرى به العمل وفق الضوابط التي وضعها العلماء (كما سيأتي بيانه في الفقرة الموالية) فانه يفتي بما جرى به العمل، ويقدم على الراجح والمشهور ، فقيل: “ويقدم المشهور على الراجح، واشتهر انه يقدم عليه ما به العمل، وكأنه لما فيه من المصلحة المتعينة”، وقال السجلماسي:[16]
وما به العمل دون المشهور مقدم في الاخذ غير مهجور
بناء على كل ذلك يتضح أن ما جرى به العمل في العرف المالكي، هو العدول عن الحكم والافتاء بالقول المشهور أو الراجح في المسالة، إلى القول الشاذ لسبب من الاسباب، كدرء مفسدة او خوف فتنة او جريان عرف او تحقيق مصلحة تحققت لدى القاضي او المفتي المجتهد في ترك المشهور، بان يكون الحكم بالمشهور يفوت مصلحة او يجلب مفسدة، فكان هذا العدول مقبولا ومسوغا عند اهل الفقه والقضاء من المالكية.[17]
وصفوة القول أن مصطلح ما جرى به العمل من المصطلحات والمفاهيم التي انفرد بها المذهب المالكي، وهو يظهر عبقرية المغاربة الفقهية في تكييف النصوص النظرية مع الواقع العملي، الذي يكثر تغيره وتطوره مع تبدل وتطور الحاجات والمصالح.[18]
المطلب الثاني: ضوابط الفتيا بالقول الذي جرى به العمل ومقاصده الشرعية
حتى لا يكون الأخذ بمصطلح ما جرى به العمل من قبيل التشهي واتباع الهوى، فقد سارع الفقهاء في جعل ضوابط له، كي لا يكون سلاحا في سبيل اهدار النصوص والاصول واطراحها بحجة مخالفتها لما جرى به العمل، فاشترطوا لتقديم ما جرى به العمل على الراجح والمشهور في الفتوى عدة ضوابط سنقوم ببسطها في المتن.[19]
كما العمل بهذه القاعدة الاصولية يقتضي الالمام المحكم بالنصوص الشرعية واستقراء مضامينها وتشبع بروحها استحضارا لقواعدها الشرعية والاستناد عليها في تنزيل ما جرى به العمل على النوازل والمسائل الماثلة امام القضاء ومن ثمة استنباط الحلول للمشاكل المطروحة بما يحقق مصالح الناس تماشيا مع المقاصد الشرعية المرجوة في هذا المنحى.
عرفت الفتوى بأنها إخبار بحكم شرعي من غير الزام، فهي الخطط التي اهتم بها المسلمون لأنه بها استقرت أحوال الامة وانتظمت شؤونها الداخلية والخارجية، ومن كان في هذا الموقع لزمه ان يتسلح بالعلم الغزير والاطلاع الواسع والاستقامة والفهم والاحاطة بروح التشريع ومقصده ومعرفة احوال الناس واعرافهم وعاداتهم.[20]
فالبحث العلمي والتقوى والإلمام بظروف وملابسات الزمان والمكان من الضروريات التي يجب توفرها في المفت والمجتهد من اجل اصدار فتواه واجتهاده.
فمصطلح ما جرى به العمل مما اختص به مالكية المغرب دون المشرق، فلا يوجد في كتب المشارقة هذا المصطلح، لأنها في المشرق تتصارع مع المذاهب الفقهية الاخرى من اجل البقاء، ومن ذلك مالكية العراق الذين يمثلهم: القاضي اسماعيل بن اسحاق، وابن القصار، وابن الجلاب، والقاضي عبد الوهاب، وابو الفرج، والابهري، وهم ائمة اعلام مشهود لهم بالقدم الراسخة في العلوم الشرعية، كانوا يزاحمون الحنفية ويتبادلون معهم القضاء، فكان شغلهم الشاغل هو تقعيد القواعد الاصولية، وتبيان خصوصيات المذهب المالكي ودراسة التفريعات الفقهية، والمشاركة في المناظرات والجدال، والاهتمام بنصرة المذهب المالكي.[21]
أما مالكية المغرب فهم على العكس تماما من مالكية المشرق، فنجد لهم اهتماما مبالغا فيه احيانا بمصطلح ما جرى به العمل، ولعل ذلك راجع إلى ما اشتهر آنذاك من قفل باب الاجتهاد سدا لذريعة من قد يدعيه دون ان يكون من اهله، ففتح مالكية المغرب بابا اخر له عن طريق ما جرى به العمل، حيث طرأت نوازل ووقائع واستجدت امور كان لا بد من مواجهتها، بالنظر في تراث المدرسة المالكية من اقوال مهجورة، وراء منثورة، ليصير لها حظ من النظر.[22]
وقد حدد الفقه شروط وضوابط اعمال ما جرى به العمل كالتالي:[23]
معرفة محلية جريانه عاما او خاصا بناحية من البلدان: وذلك لان العمل قد يكون خاصا ببعض الامكنة دون بعض، وقد يكون عاما في جميع الامكنة، وكذا قد يكون خاصا ببعض الازمنة دون بعض، او عاما في جميعها.
وقد نظم الشيخ محمد الغلاوي الشنقيطي هذه الشروط والضوابط فقال:[25]
شروط تقديم الذي جرى به العمل امور خمسة غير هَمـَــلْ
اولها ثبـــــــوت اجراء العمـــــــل بذلك القول بنص محتَمَلْ
والثـــــاني والثـــــالث يَلْزَمـَــــان معرفـة الزمـان والمكـان
وهل جرى تعميما او تخصيصـا ببلد او زمن تَنْصيصَـــا
رابعا كون الذي اجرى العمـــــل اهلا للاقتداء قولا وعملا
فحيث لم تثبت له اهليــــــــــــــة تقليده يمنع في النَّقْلِيــَّـــهْ
خامســـــها معرفة الأسبــــــــاب فإنهن معينة في البـــَـابِ
كما مرة معنى سابقا فالأقوال التي يستند عليها القاضي في حل النوازل المعروضة عليه هي المتفق عليه، والراجح، والمشهور، وما جرى به العمل حسب الترتيب الذي حدده الفقه في قواعد ترجيح الادلة الشرعية.[26]
فالعلة من اعتماد هذه القواعد الاصولية هو التصدي لكافة النوازل والقضايا المطروحة على القضاء ومن ثمة ايجاد الاحكام التي تتماشى مع اقره الشارع والاجتهاد القضائي فهي مكنة يستنجد بها القاضي في ايجاد الحلول للمسائل المطروحة لمعالجة معضلاتها في كافة المجالات والتي من بينها المجال الاسري.
فالأسس التي ينبني عليها ما جرى به العمل هي من اصول المذهب المالكي، كالمصلحة المرسلة، وسد الذريعة والعرف او حفظ ضرورة من الضرورات، وهذه الاسس تشكل في كنهها سبب مخالفة ما جرى به العمل للمشهور، حتى اذا زال ذلك الاصل عاد الحكم للمشهور.[27]
وصفوة القول، يتبين أن ما جرى به العمل هو اختيار مجتهد من مجتهدي المذهب قولا ضعيفا او شاذا فيفتي به، او اختيار قاض مجتهد- من اهل الترجيح- فيحكم به، لباعث اجتماعي يتمثل في مراعاة عرف، او وجود ضرورة، او لمصلحة شرعية، مراعاة لقاعدة: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، وكذلك لان تغير الاحكام عند تغير الاسباب ليس خروجا عن المذهب، بل فيه جري على اصل المذهب في المحافظة على المصالح المعتبرة شرعا، او سدا لذريعة محرمة.[28]
المبحث الثاني: الفقه المالكي كمصدر تكميلي لنصوص مدونة الاسرة.
لا غرابة في القول ان الفقه الاسلامي هو مصدر من مصادر القاعدة القانونية والذي استلهم منه المشرع الأحكام التي تعنى بتنظيم سلوكيات وعلاقات الأفراد في كافة المجالات، إذ يأتي في المرتبة الثالثة كمصدر مادي مباشر بعد التشريع والعرف، كما ان فقهاء المالكية اقروا احكاما فقهية اجتهادية المستنبطة من ادلتها التفصيلية والموافقة لمقاصدها الشرعية والتي شكلت تراكما لقواعد فقهية اجتهادية يستنجد بها القاضي في ايجاد الحلول لاستيعاب مشاكل الواق المستجدة فشكلت مصدرا تكميليا واحتياطيا لنصوص مدونة الاسرة.
وعلى هذا الأساس فان الدراسة في هذا الصدد ستهم ابراز مكانة الفقه المالكي في مدونة الاسرة كمصدر تكميلي لموادها من خلال التطرق للأساس التشريعي لتطبيق الفقه المالكي في نوازل الاسرة، ثم الاحالة على اصوله الاجتهادية في التطبيقات القضائية لأحكامها الفقهية كما قررها فقهاء المذهب المالكي في كل ما لم يرد به نص في المدونة.
المطلب الاول: الاساس التشريعي للتطبيق القضائي لأحكام الفقه المالكي
إن بيان مركز ومكانة الفقه المالكي في مدونة الاسرة ينصرف الى امرين، اولها كونه يعد مصدرا ماديا لنصوص مدونة الاسرة اضافة لكونه مرجعا تكميليا لنصوص المدونة.
فلا غرو في القول ان قواعد الفقه الاسلامي عموما تشكل المصدر الثالث من صادر القاعدة القانونية في المغرب، وعلى هذا الاساس فان هناك قواعد مستمدة مباشرة من الفقه الاسلامي -وخصوصا مذهب امام مالك- كمدونة الاوقاف، ومدونة الحقوق العينية، وقانون الالتزامات والعقود والتي استلهم المشرع احكامها من قواعد الفقه واصوله الاجتهادية مما يجعل منه مصدرا ماديا وموضوعيا لهذه القوانين.[29]
علاوة على ذلك فان الفقه المالكي يشكل مصدرا تكميليا واحتياطيا لنصوص مدونة الاسرة اذ انه يمثل الاساس التاريخي للمسار التشريعي بالمغرب، فكان ولا زال المذهب الرسمي المعتمد تاريخيا في الفتوى والقضاء.
ومن الرسائل الملكية التي ورد فيها اعتماد المغرب المذهب المالكي كمذهب رسمي للبلاد، فنمثل لها بالرسالة الملكية الموجهة الى ندوة الامام مالك المنعقدة بفاس ايام 10-11-12 جمادى الثانية عام 1400 (25-26-27-28 ابريل 1980)، ومما جاء فيها: “انا المغزى الثاني من اقامة هذه الندوة، فهو تأكيد تمسكنا بالسير في الطريق الوسط التي اختطها لنا امامنا مالك رضي الله عنه، عملا بقوله تعالى “وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” فتجنبنا باتباع مذهبه الافراط والتفريط، والانحراف عما يمليه العقل السليم، والطبع القويم، فقد كان رضي الله عنه في حياته مثالا للتوسط والاعتدال، مقتديا بأخلاق وشمائل الرسول صلى الله عليه والسلم.”[30]
تبعا لما قيل فان التطبيق القضائي لقواعد الفقه المالكي على نوازل الاسرة لم يعد يجد سنده فقط في الاساس التاريخي، بل اصبح يعتمد في الوقت الحاضر على اساس قانوني يجعل في نظرنا تطبيق الفقه المالكي في المغرب قاعدة ملزمة.[31]
وتماشيا مع كل ذلك فان الفقه المالكي غدى مصدرا رسميا تكميليا لنصوص مدونة الاسرة والشاهد عندنا على ذلك مقتضيات المادة 400 التي جاء فيها: “كل ما لم يرد به نص في المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الاسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.”[32]
ومن ثمة فإن المشرع الأسري حدد نطاق التطبيق القضائي لقواعد الفقه المالكي في كل ما لم يرد به نص في المدونة وذلك مع استحضار روح وقيم الإسلام ومقاصده الشرعية.
المطلب الثاني: الفقه المالكي مرجع فيما لم يرد به نص في مدونة الأسرة
يعتبر القاضي نائبا عن السلطان في مهمته، ويصدر الحكم باسمه وهي الوظائف الداخلة تحت الامامة او الخلافة وهي هذا السياق يشير ابن عاصم في الفقه:[33]
منفــذ بالشـــرع للأحكــام لــه نيــــابة عــن الامـــام
كما أن مذهب إمام مالك كان ولا زال المصدر الرسمي للدولة، اذ كان مطبقا في كل الحياة العلمية والحكمية خدمة للوحدة الوطنية والتشريعية والقضائية، لان الزام الناس بمذهب واحد فيه اشعار للمتقاضين بالمساواة امام الاحكام، واما العدالة فلو قام كل قاض ومفت باختيار المذهب والاقوال التي توافقه لعمت الفوضى في الاحكام ولحصل تضارب في مصالح الناس، وبالتالي سيقع تمزق في نسيج المجتمع[34]
ومن ثمة فإن كرونولوجية تطور الفقه واستناد القضاء في احكامه على قواعد التي تساعده في استيعاب مشاكل الواقع وتطوراته المستجدة، يساعدنا في تلمس روح ومقاصد النصوص المطبقة ومركز هذا الفقه في مدونة الأسرة.
وانسجاما مع ذلك فالمدونة لم تكتف باستقاء جل احكامها من الفقه المالكي بل اضافت قاعدة تجعل هذا الفقه هو المصدر المعتمد في كل ما لم يرد به نص في المدونة، حيث حدد الفصل 400 من مدونة الاسرة نطاق التطبيق القضائي لأحكام الفقه المالكي في كل ما لم يرد به نص في المدونة.
ومن ثمة فالمشرع الأسري لم يترك الرجوع لقواعد الفقه المالكي في المسائل التي لا تجد لها حل صريح في نصوص المدونة مطلوق على عواهنه، بل جعله مقرونا بتحقيق قيم الاسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف والتي يجب استحضارها في حل ما استشكل من النوازل.[35]
ولا شك أن الإحالة على الراجح او المشهور او ما جرى به العمل من مذهب الامام مالك تؤكد من جهة مسلك المشرع الوضعي القاضي باعتماد المذهب المالكي بخصوص المدونة سواء في قواعدها العامة، مما يشكل تطبيقا اخر يحسم اختيار المغرب للمذهب المالكي كمذهب رسمي له، كما تؤدي من جهة اخرى الى القضاء على تعدد الآراء وتشعبها في المسالة الواحدة حين اخضاعها لمذهب واحد.[36]
ولعل ما يستشف من مقتضيات المادة 400 من مدون الاسرة انها وسعت من نطاق التطبيق القضائي لأحكام الفقه الإسلامي فجعلت الرجوع الى قواعده في سائر المشاكل التي تثار سواء بمناسبة ابرام وقيام العلاقة الزوجية الى حين انحلالها لا قدر الله وقد حسن ما فعل المشرع الاسري في هذا المضمار بان عزز هذه المكنة للقضاء حتى لا يحول بينه وبين الحلول الشرعية التي اقرها فقهاء المالكية.
وقد قدر للقضاء المغربي ان يقضي في قضايا عديدة بالراجح او المشهور او ما جرى به العمل من مذهب الامام مالك (وهو ما سنستفيض في تبيانه في الفصل الموالي)، من ذلك مثلا ما قضت به الغرفة الشرعية بالمجلس الاعلى (محكمة النقض حاليا) من انه: “وحيث ان الحكم المطعون فيه استند على ما جرى به العمل من مذهب الامام مالك في مسألة القيام بالغبن واستدل على ذلك بنصوص كثيرة منها ما لصاحب العمل المطلق الفاسي وما جرى به العمل من مذهب الامام مالك مقدم على المشهور والراجح لقول صاحب العمل الفاسي:
وما جرى به العمل دون المشهور مقدم في الاخذ غير مهجور
مما كان معه الحكم المطعون فيه لم يخرق قاعدة وجوب القضاء بالراجح او المشهور او ما جرى به العمل تطبيقا صحيحا….”[37]
ونستدل كذلك في هذا الصدد بقرار لمحكمة الاستئناف بأكادير وهي تبت في مسألة مدى استحقاق الابن الراشد للنفقة بعدما تتغير وضعيته بمرض او اعاقة يصبح على اثرها عاجزا عن الكسب وفي ظل سكوت المشرع الاسري عن تنظيم هذه المسألة[38] اعتبرت المحكمة ان المعني وامه هو الملزم بإثبات ذلك العجز استناد للأصل هو الملاءة وان اثارة الظروف الصحية والانسانية وتضامن والتقاليد المغربية وعرف قيام الاب بشؤون ابنائه العاجزين والمصابين بإعاقة جسدية موكول الى ضمير الاب ان لم يَثْبت ان ليس للأبناء مالا ينفقون منه معللة قرارها بأحكام الفقه الإسلامي التي وضعت قواعد لهذه المسالة فجاء في حيثياتها: “…فانه وان اختلف الائمة فيما اذا كان النفقة تعود للولد الذكر البالغ اذا ما اصيب بعجز فقذ اشترطوا في سائر الحالات ان يكون الولد فقيرا ليس له مال ينفق منه فقد ورد في فتح الباري للإمام العسقلاني ” إن كانت لهم (للأولاد) اموال فلا وجوب عل الاب” وقد بين الفقه المالكي مرجع ما لم يرد به نص في مدونة الاسرة انه:
ان بلغ الولـــــد قدرا علـــــــــى كسب فالإنفاق عليه حوِّل
اليه تم لايعود (على الاب) إن عرض زمانة وشبهها من مرض
وعند الحطاب في مواهب الجليل: “اذا بلغ الولد زمنا وقلنا استمرت نفقته فان صح سقطت فان عادت اليه الزمانة لم تعد نفقته على الاب” لكن “اذا كان للولد الزمن مال ثم ذهب فان نفقته تعود على الاب”. كما ان المجلس الاعلى في قرار له بتاريخ 17/9/03 في الملف عدد 53/2/1/03 قضى بنقض حكم لم يستجب لطلب الاب من اجل اسقاط نفقة ابن بلغ سن الرشد واصبح يعمل وقد دفعت الام امام محكمة الموضوع بكون الابن مريض عقليا ومصاب في عموده الفقري”.[39]
الفصل الثاني: التطبيقات القضائية لأحكام الفقه المالكي فيما لم يرد به نص في مدونة الاسرة.
سمحت المناسبة للقضاء المغربي في الرجوع لقواعد الفقه (والمقصود الفقه المالكي بالأساس) من اجل التصدي لكافة النوازل المطروحة عليه والتي تتعدد صورها بتعدد الدعاوى المرفوعة الى جهة القضاء من اجل حماية حق من الحقوق او كشف وضعية من الوضعيات.
ومن ثمة فإن اعتماد المغرب المذهب المالكي كمذهب رسمي تكميلي يرجع له في كل ما لم يرد به نص مرده الحفاض على وحدة الاحكام والاجتهادات القضائية بما يحفظ استقرار الوضعيات القانونية للأفراد ويحل مشاكلهم الأسرية لان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ولأن الأمور بمقاصدها.
ذلك أن الاتحاد في هذا المجال يقتضي خضوع الجميع اما لقانون وضعي واحد، او لمذهب فقهي واحد، فاذا وجد القانون فذاك وان لم يوجد يعتمد على مذهب واحد، ولما كان المذهب المفضل عند المغاربة منذ قرون هو المذهب المالكي، فينبغي خضوع المغاربة كلهم لهذا المذهب تحقيقا لذلك الاتحاد، اما عند وضع القانون، فنظرا لان خضوع المغاربة كلهم سيكون لهذا القانون مما يحقق اتحادهم، فانه لا ضير من استقاء احكام هذا القانون من مختلف المذاهب بما يحقق مصلحة المجتمع المغربي.[40]
وعليه فإننا سنعمل غلى تبيان مختلف النوازل التي طبق فيها القضاء المغربي قواعد الفقه المالكي في المسائل المسكوت عنها قانونا والمنصوص عليها فقها في المجال الاسري سواء ما تعلق منها بمنازعات افراد سكن مستقل للزوجة والمطالبة بحق الكد والسعاية (المبحث الأول)، وتلكم المتعلقة بإثبات النفقة ومنازعات الحوائج (المبحث الثاني) والتي تشكل في كنهها تمظهرا لإعمال قواعد الفقه على نوازل الاسرة.
المبحث الأول: دعوى إفراد سكن مستقل للزوجة والمطالبة بحق الكد والسعاية
تشكل دعوى أفراد سكن مستقل للزوجة من اهم القضايا والمسائل التي يستند قاضي الموضوع في اصدار حكمه فيها على قواعد الفقه المالكي التي يعتمد عليها في بناء حكمه وتسبيبه كما ان دعوى ثبوت الزوجية شهدت تضاربا في الآراء الفقهية في مسالة استمرارية سماعها من عدمه وهو ما اثر بلا شك في العمل القضائي الأسري.
المطلب الأول: دعوى إفراد سكن مستقل للزوجة
مما لا ريب فيه فان قيام العلاقة الزوجية وبناء الاسرة المستقرة برعاية الزوجين لا يستقيم من دون التوفر على مسكن يعد بيتا للزوجية تستقر فيه النفوس وتتحقق فيه أسس المساكنة الشرعية.
ومن بين التعريفات التي وجدنها لبيت الزوجية، نورد التعريف التالي: البيت لغة، المسكن، وبيت الرجل داره. وبيت الزوجية: محل منفرد معين مخصص بالزوجة، لا يشاركها أحد في سكناه من أهل الزوج المميزين، وله تجهيزات ومرافق سواء كانت في البيت أو في الدار، على ألا يشاركها فيها أحد إلا برضاها.[41]
وباستقراء نصوص مدونة الأسرة نجد أن المشرع الأسري أقر مصطلح بيت الزوجية ضمن نصوص المدونة وذلك بمناسبة معالجته مسألة نشوز الزوجة في المادة 195 من المدونة.[42]
وما يراعى في بيت الزوجية عند الحنفية والحنابلة قدر حال الزوجين في اليسار والإعسار، فليس مسكن الأغنياء كمسكن الفقراء، لقوله تعالى: “وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” فقوله عز وجل بالمعروف يقتضي مراعاة حال الزوجين، ولأن بيت الزوجية في الاصل بيت دوام واستقرار، فجرى مجرى النفقة والكسوة، ويراعي الحاكم حالهما عند التنازع، ويرى الشافعية على المعتمد عندهم أن بيت الزوجية يكون بما يليق بحال المرأة عادة، إذ هو إمتاع، سواء كان دارا أو حجرة أو غيرهما، وظاهر الرواية عند الحنفية اعتبار حال الزوج فقط، لقوله تعالى “اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم” وهو خطاب للأزواج، وبه قال جمع كثير منهم، ونص عليه محمد صلى الله عليه وسلم وكذا قول ثالث للشافعية، ان مسكن الطاعة يكون بقدر يسار الزوج واعساره وتوسطه كالنفقة.[43]
ويرى المالكية: أن محل الطاعة يكون حسب العادة الجارية بين اهل بلد الزوجين بقدر وسع الرجل وحال المرأة، فان تساويا فقرا او غنى اعتبر حالهما، وان كان فقيرا لا قدرة له الا على ادنى الكفاية، فالعبرة بوسعه فقط، وان كان غنيا ّا قدر، اجيبت لحالة اعلى من حالها ودون حاله، وان كانت غنية ذات قدر وهو فقير الا ان له قدرة ارفع من حاله، ولا قدرة له على حالها رفعها بالقضاء الى الحالة التي يقدر عليها.[44]
ويرى الفقهاء أن بيت الزوجية تراعى فيه الشروط التالية:[45]
وقد اقر العمل القضائي هذه القواعد من خلال تنزيل احكامها على النوازل المعروضة عليه، ونستدل في ذلك بحكم ابتدائية الصويرة الذي جاء في حيثياته ما يلي: “وحيث انه وان كان الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 26/11/2019، قضى على المدعى عليها بالرجوع الى بيت الزوجية، الا ان هذه الاخيرة امتنعت ورفضت الرجوع الى هذا البيت مشترطة افراد سكن خاص بها حسب الثابت من جوابها بمحضر الامتناع عن الرجوع الى بيت الزوجية المنجز من طرف مأمور اجراءات التنفيذ المؤرخ في 09/12/2019 وبالتالي لا يمكن اعتبارها زوجة ناشزا الا اذا افرد لها الزوج سكنا خاصا ورفضت الرجوع اليه ذلك انه ليس للزوج ان يسكن زوجته مع اهله او ذويه طبقا لقول الشيخ خليل: “ولها الامتناع عن السكن مع اهله وذويه…“[46]
ومن ثمة فان هذه الحالة تمثل الصورة الابرز التي يطبق فيها القضاء احكام السكن المستقل لزوجة، اذ غالبا ما تشترط الزوجة للرجوع لبيت الزوجية افراد سكن خاص بها، فهي لا تعد ناشزا في هذه المسألة لان اسكانها مع ضرتها وغيرها يفترض فيه الضرر والضرر يزال، فذلك حقها الشرعي ولو لم تشترطه في العقد، شريطة ان تطالب به امام جهة القضاء ولذلك عمدنا الى عنونة هذا المطلب بدعوى افراد السكن المستقل للزوجة والذي يحيل على الزامية اثارة هذه المسالة امام قاضي الموضوع.[47]
بل ويمكنها التحلل من التزامها بالسكن مع اهل زوجها رفعا للضرر المترتب عن هذا الشرط المرهق في عقد الزواج فقد قضت المحكمة الابتدائية بابي الجعد بما يلي: حيث إن المدعية وإن كانت قد التزمت بالسكن مع والدة المدعى عليه حسب رسم النكاح اعلاه، لكن هذا الشرط وطبقا للمادة 48 من مدونة الاسرة قابل للمراجعة ومراقبة القضاء. وحيث ان الزوجة إن ادعت الضرر من السكن مع أهله فإنها لا تجبر على السكن معهم كما ذهبت الى ذلك الاقوال المعتمدة في المذهب المالكي الذي احالت عليه المادة 400 من مدونة الأسرة ولا تكلف بالإثبات لقول الإمام مالك: (ليس له ان يسكن امرأته مع ابيه وامه واهله اذا شكت الضرر بذلك، ولا تكلف بإثبات الضرر الذي تدعيه في هذا الموضوع)، انظر المعيار الجديد 3/142 و 143. وحيث ترتيبا على ذلك قررت المحكمة الاستجابة لطلب المدعية وذلك بإفراد سكناها بعيدا عن اهله وذويه”.[48]
وتماشيا مع العلل السابق ذكرها فان الزوجة يكون من حقها ان يكون لها مسكن خاص مع زوجها واولادها، لا يشاركها فيه احد، لا اب ولا ام ولا قريب، والى هذا ذهب دمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وان لها الامتناع من السكن مع ابيه وأمه وإخوته، وقال الكاساني في بدائع الصنائع: “ولو اراد الزوج ان يسكنها مع ضرتها او مع احمائها كام الزوج واخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك، عليه أن يسكنها في منزل منفر، لأنهن ربما يؤذينها ويضرون بها في المساكنة، وإباؤها دليل الأذى والضرر ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في اي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك اذا كان معها ثالث”.[49]
ومن ثمة فالعمل القضائي دأب على تكريس هذه القواعد الشرعية والاصول الفقهية ونستدل على ذلك بحكم ابتدائية الحسيمة الذي جاء في حيثياته:”في الطلب المضاد: وحيث ان المدعية تهدف من طلبها الحكم على المدعى عليه بتخصيص مسكن مستقل لها بعيدا عن اهله وذويه بمدينة الحسيمة وتحميله الصائر. وحيث ان الشارع خص الزوجة بالسكن مع زوجها منفردة عن اهله واقربائه، كما نص على ذلك الفقهاء، فالشيخ خليل يقول:”ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه” وهو حق من حقوقها لا يتم التحلل منه الا برضاها. وحيث إن المدعى عليه لم يخصص سكن مستقل لزوجته لتستقر به، مما يكون ملزما بتخصيص لها سكن مستقل بعيدا عن اهله وذويه وفقا لإمكانياته المادية وما يقتضيه العرف وعادة أهل البلد”.[50]
ونستشهد بحكم ابتدائي آخر:” وحيث إن الثابت من أوراق الملف وخاصة من الحكم عدد 175 الصادر بتاريخ 15/12/2010 انه قضى في الطلب الأصلي على المدعي بإعداده للمدعى عليها سكنا منفردا عن اقاربه، وهذه الاخيرة تمسكت سواء امام عون التنفيذ وكذا امام المحكمة بما قضى لها الحكم المذكور بخصوص السكن المنفرد، والمدعي لم يثبت للمحكمة انه نفذ ذلك الشق من الحكم لأنه من غير المستساغ الزام الزوجة بالرجوع الى بيت الزوجية الذي يشتركه الزوج مع أهله في حين ان المحكمة حكمت على زوجها بإفرادها سكنا مستقلا عن اهله، والقول ان الطلب الاصلي مستقل عن الطلب المضاد غير ذي اساس لكون محل تنفيذ الحكم القاضي بالرجوع هو السكن المحكوم به لصالح المدعى عليها في الطلب الاصلي، لذلك فان الامتناع المنصوص عليه في المادة 195 من مدونة الاسرة غير قائم في نازلة الحال للعلل السابقة، مما يكون الطلب غير مبني على أساس ويتعين رفضه”.[51]
المطلب الثاني: المطالبة بحق الكد والسعاية:
يمكن تعريف حق الكد والسعاية بأنه: حق شخصي، يقوم على اساس مساهمة السعاة في اطار شركة عرفية على تنمية الثروة الأسرية أو تكوينها، مقابل استحقاقهم جزء من المستفاد، يتناسب وقدر مساهمتهم حين اجراء القسمة، وكل ذلك يتم وفق مقتضيات العرف المحلي وقواعده.[52]
إننا وباستقراء نصوص مدونة الأسرة يتضح أن حق الكد والسعاية لا يمكن اعتباره من المسائل التي سكت المشرع الأسري في تنظيمها بقدر ما ان تنظيمها جاء مقتضبا وفضفاضا يترك المجال للقضاء في الرجوع لأحكام الفقه ولما جرى به العمل لاستيضاح جوانبه اكثر وهو ما يستشف من مقتضيات المادة 49 من مدونة الاسرة.[53]
وتبعا لذلك فإن مقتضيات المادة 49 من مدونة الاسرة حددت قواعد النظام المالي للزوجين وحالات تدبير المال المشترك بتكريسها مبدأ استقلال ذمة الزوجين وذلك مصداقا لقوله سبحانه وتعالى:” وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا ولا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا“[54]
كما أن نفس المادة حددت حالة الاتفاق على تدبير الأموال التي ستكتب اثناء فترة الزوجية صونا للحقوق وتماشيا مع قواعد مبدأ سلطان الارادة والعقد شريعة المتعاقدين المكرسة في الشريعة العامة.[55]
أما عن حالة عدم وجود هذ الاتفاق، فالإثبات حر غير مقيد، يرجع فيه للقواعد العامة في إثبات نصيب كل من الزوجين في المال المشترك المكتسب أثناء قيام العلاقة الزوجية ومن ثمة فعبء الإثبات يبقى على المدعي واليمين على من أنكر، وفي سبيل ذلك يعتمد الأطراف على كافة وسائل الإثبات من إقرار وشهادة الشهود المستندة على العلم كما حدد الفقه قاعدة أصولية في شهادة اللفيف في حالة تراجع شاهد أو شاهدين عن شهادتهم تقضي بما يلي: “وربما تساهلوا فيما يقل كالعشر والثمان فيما يشتمل” بمعنى هذا التراجع لا يؤثر على صحة اللفيف، والقرائن واليمين وغيرها وللمحكمة سلطة تقييم هذه الحجج والترجيح بين الأدلة المعروضة معتمدة في ذلك على جملة القواعد الاصولية الترجيحية كما وضعها الفقهاء.[56]
إضافة إلى ذلك، فإن القضاء وإعمالا منه لهذه القواعد لتحديد نصيب كل من الزوجين في الثروة الاسرية[57] يستحضر عناصر ومحددات مساهمة كل واحد منهما في تنمية أموال الأسرة والتي حددها المشرع الأسري في شرطين أو ضابطين:[58]
وقد ظهر اختلاف في الرأي حول النطاق الجغرافي لتطبيق حق الكد والسعاية وحول طبيعة العمل الموجب له، هل يقتصر على عمل البادية أو أنه يشتمل حتى عمل المرأة بالمدينة، حيث انقسم القضاء وقبله فقهاء المملكة حول نطاق المطالبة بحق الكد والسعاية مكانيا، فهناك من قصره على المرأة بالبادية وعلى العمل البدائي، والبعض الآخر اتجه إلى القول بشموله حتى المرأة بالمدينة متجاوزا بذلك فكرة ربط هذا الحق بالعمل بالزرع والحصاد وغيرها من اعمال البادية.[59]
وفي هذا الصدد يذهب العديد من القضاة الى القول بان ما ينبغي اعتباره هو العمل المدر للدخل وغيره، اما الاعمال المنزلية فتعتبر من واجبات الزوجة رغم انه ليس هناك أي نص في الشريعة الاسلامية يلزم الزوجة بخدمة الزوج وانها تقوم بذلك باختيارها وبرضاها، وهو ما اكده الفقه المالكي الا في حالة ما اذا كان العرف يقضي بذلك.[60]
ونورد فيما يلي بعض الاحكام القضائية التي مكنت المرأة البدوية من حقها في كدها وسعايتها:
فقد جاء في حيثية لحكم ابتدائية تزنيت:”إثبات المطلقة المدعية كونها تعمل عمل نساء البوادي من حرث وحصاد وتربية البهائم يخولها حقها في السعاية في المستفاد خلال فترة الزواج وتجري المحاسبة بشان ذلك مع مطلقها على قسمة المستفاد بينهما كما يلي: النصف لذمته -ب- النصف الباقي مناصفة بينهما” [61]
وجاء في حكم آخر لنفس المحكمة “…ان نساء البادية جرى العمل باستقسائهن كما في العمل وشرحه اعتراف المدعى عليه لحق المدعية فيما بنته معه يستوجب المحاسبة معه في ذلك وتمكينها كالمدعى عليه، انكار المدعى عليه حق المدعية في السعاية وعجزها عن إثبات مدعاها يستوجب إعمال قاعدة النكول.”[62]
وجاء في حكم لنفس المحكمة ما يلي: اعتراف المدعى عليه بسعاية مطلقته من البهائم والحبوب وبناء الدار، وحائط يلزمه بتمكينها من نصيبها مع باقي السعاة، قسمة بالتساوي اعمالا لقاعدة “المكلف بلا حجر علي، مؤاخذ بإقرار اعترافه شرعا” وبان نساء البوادي لهن الحق في السعاية مع باقي مع باقي السعاة كما في العمليات وشرحها”.[63]
علاوة على ذلك، نجد الآراء الفقهية تختلف بخوص اعتبار العمل المنزلي للزوجة منتجا من عدمه وهو ما اثر على العمل القضائي لمحاكم المملكة ونستدل في ذلك بعدة أحكام وقرارات والتي اجتهدت في تعليل مواقفها القضائية.
فقد جاء في قرار للمجلس الاعلى (محكمة النقض حاليا): ان رسم السعاية المدلى به من طرف المستأنفة لا يشير الى النظام المالي للزوجين ودرجة مساهمة الزوجة في مال الزوج علما بان النظام المالي للزوجين في الشريعة الاسلامية يقتضي استقلال الذمة المالية لكل واحد في الشؤون المادية والمعنوية بحيث اعطى لكليهما حق ملكية نصيب كده وعمله لقوله عز وجل في كتابه العزيز:”للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن”[64].
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بأكادير ذهب إلى عدم اعتبار الاعمال البيتية منتجة استنادا الى انها اثار من اثار عقد الزواج. والتزام مشترك من التزاماته وان الزوجة التي لا تحترف أي عمل يدر عليها دخلا لا حق لها في المطالبة بنصيب من مال زوجها وان استحقاقها لذلك يقتضي اثبات كونها عاملة أي لها عمل محدد ومعروف ومنتج.[65]
وهذا الموقف الأخير على علته، لا يمكن الأخذ به على إطلاقه وعموميته مدام أن المشرع الاسري خول لقاضي الموضوع سلطة تقدير هذه الاعمال والمجهودات والاعباء اذ لم يحصرها في عمل بعينه كما ان قيام العلاقة الزوجية ينهض قرينة على هذه المجهودات والاعباء التي تتحملها الزوجة في العمل المنزلي والتي تساهم من خلالها في تنمية ثروة الاسرة فتستحق لهذه العلة مقابلا عن كدها وسعايتها.
ونستشهد في هذا الإطار بحيثيات حكم قضائي جاء فيها: “…كما ان عملها اليومي ولو داخل البيت هو مساهمة منتجة عند التقييم، خاصة اذا علمنا ان من الفقهاء من اعتبر ان عقد الزواج لا يلزم الزوجة بخدمة البيت…حيث ان الشرع قد اعطى للمرأة التي لا يقع الدخول بها نصف الصداق فكيف تكون وضعية الزوجة التي قضت مع الزوج مراحل العمر بحلوها ومرها، وساهمت في تكوين ثروة وممتلكات بمجهودها، وحيث ان حق المدعية في الثروة التي كونها الزوج خلال فترة الزواج والتي ساهمت وكدت وعملت من اجل تكوينها هو حق يجد سنده في الشريعة الاسلامية ومستمد من الفقه الاسلامي عبر قرون. وهو الحق الذي يحقق للزوجة نوعا من الاستقرار المادي اذا ما انتهت العلاقة الزوجية. مقابل مجهوداتها وعنايتها إلى جانب الزوج…وكما تبين للمحكمة من خلال ما ذكر اعلاه. المدعية قد ساهمت بعملها وكدها في تنمية الاموال المكتسبة خلال فترة الزواج…وذلك على ضوء ما قامت به المدعية من اعمال ومجهودات واعباء في تنمية المال وتحدد المحكمة بالتالي قدر المجهود الذي بذلته في مبلغ قدره 150.000 درهم”.[66]
ومرد هذا الاختلاف على مستوى العمل القضائي من ناحية انه قبل صدور مدونة الاسرة كان حق الكد والسعاية مجرد عرف يسري على المناطق التي ظهر فيها وهي في غالبيتها بدوية، ومن ناحية ثانية الى الاختلاف الفقهي حول الكد والسعاية بين من يعتبره قاصرا على نساء البوادي دون الحضر وفي هذا الصدد نجد ابن عرضون قصر حق الكد والسعاية على نساء البوادي، وهناك من يعتبره حق مقرر لنساء البادية والحضر على السواء وهنا نجد الفقيه محمد الورزازي والإمام ابن العطار اللذان يعتبران ان الاساس هو المساهمة في تنمية اموال الاسرة وليس طبيعة العمل.[67]
وصفوة القول، فان المشرع الاسري كرس حق الكد والسعاية حسبما يستشف من تنظيمه للوضعية المالية للزوجين بمقتضى المادة 49 من مدونة الاسرة، وهو ما تعضده المادة 400 من مدونة الاسرة تماشيا مع قيم ومقاصد الفقه في الحرص على العدل والمساواة وصون الحقوق، ومن ثمة شكلت الأصول الفقهية مرجعا يعتمد عليه القضاء في تمكين السعاة من حقهم فيما بدلوه من جهد في تنمية اموال الاسرة.[68]
المبحث الثاني: إثبات النفقة ومنازعات الحوائج
يعد إثبات النفقة والفصل في منازعات الحوائج من المسائل التي يرجع فيها للقواعد الفقهية لاستجلاء حلولها وهذا ما يتضح من خلال التطبيقات القضائية لهذه القواعد في تلكم المسائل.
المطلب الأول: قواعد إثبات نفقة الزوجة والأبناء
تعد النفقة من أسباب قوامة الرجل على المرأة في الإسلام، فقال عز وجل “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”[69]، كما انه من المقرر شرعا وقانونا ان نفقة كل انسان من ماله الا الزوجة فنفقتها من مال زوجها تجب بمجرد الدخول او الدعوة اليه وتستمر باستمرار العلاقة الزوجية لقوله صلى الله عليه وسلم: ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف”.[70]
وتبعا لذلك فنفقة الزوجة والابناء تشمل الغذاء والكسوة والعلاج حسبما تقضي به اعراف وعادات البلد وحالة الزوج الملزم بها، وفي حالة اخلاله بها يحكم بها عليه من تاريخ امساكه وتوقفه عن الانفاق الواجب عليه.[71]
وفي المقابل لم يحدد المشرع الاسري صراحة قواعد اثبات امساك الزوج عن الانفاق الواجب عليه، الا انه خول للقضاء مكنة الرجوع الى احكام الفقه بمقتضى المادة 400 من مدونة الاسرة والذي تصدى لهذه المسالة.
وتبعا لذلك، فالأصل هو التزام الزوج بالإنفاق الواجب عليه خلال فترة قيام العلاقة الزوجية لأنها تسكن معه فيفترض فيه الانفاق على زوجته وابناءه، وهو ما يعبر عنه الفقه بمصطلح الحوز بمعنى انه يحوزها في فترة قيام العلاقة الزوجية فالشاهد العرفي لصالحه فيكون القول قوله بيمنه اما في حالة عدم منازعته في مغادرة زوجته لبيت الزوجية فان ذلك شاهد عرفي لصالحها ومن ثمة فالقول قولها بيمنها، والتي تعد يمينا حاسمة في فصل النزاع في استحقاق النفقة المتخلفة في ذمة الزوج المدين بها من عدمه.
ونستشهد في هذا الصدد بالعمل القضائي لمحاكم المملكة الذي طبق هذه القواعد، فقد جاء في حكم للمحكمة الابتدائية بالصويرة: “وحيث ان حضور المدعى عليه امام هيئة المحكمة وجوابه اقرار منه بما ورد في مقال المدعية (بانه كان ينفق على زوجته وابنهما بما في ذلك شهري شتنبر واكتوبر كونها تتواجد ببيت الزوجية وانه بعد خروجها من بيت الزوجية بتاريخ 13 نونبر 2020 امسك عن الانفاق عليها) ويعتبر حجة ضده فيما يخص المدة من نونبر 2020 الى غاية يومه. حيث ان اقرار الزوجة بتواجده ببيت الزوجية خلال شهري شتنبر واكتوبر يعتبر شاهدا عرفيا لصالح الزوج وقررت المحكمة توجيه اليمين الشرعية له بخصوص الانفاق على زوجته وابنه خلال هذه المدة واداها على صيغة المطلوبة مما يتعين معه رفض طلب المدعية بخصوص شهري شتنبر واكتوبر”.[72]
وجاء في حثيات حكم لنفس المحكمة: “وحيث ان جواب الزوج امام المحكمة يعتبر اقرارا منه بعدم الانفاق على زوجته منذ التاريخ الذي ادعته وانه لم يوفر لها توسعة الاعياد. حيث انه بذلك تبقى ذمة الزوج عامرة بالنفقة ولا تفرغ إلا بالأداء وأن المحكمة ارتأت تحديد مبلغ النفقة حسب ما سيرد بمنطوق الحكم ادناه مع مراعاة عمل الزوج كفلاح حسب تصريحاته ما دام ان الزوجة لم تثبت العكس.”[73]
وقضت محكمة الاستئناف بسطات في قرارها: “وحيث ان المستأنف عند حضوره جلسة البحث صرح بان زوجته طردته من بيت الزوجية وانه رغم ذلك استمر في الانفاق عليها وعلى ولديها، في حين صرح الولدين اشرف ونوفل عند البحث معهما بان والدهم- المستأنف- لم يكن ينفق عليهما. وحيث يفهم مما ذكر ان المستأنف كان فعلا خارج بيت الزوجية بإقراره، وان ما ادعاه من انفاق لم ينهض له دليل يدعمه، مما يبقى معه القول قو الزوجة –المستأنف عليها- بعدم الانفاق مع يمينها، فان حلفت استحقت نفقتها ونفقة ولديها، وان نكلت حلف المستأنف بأنه كان ينفق على الزوجة والولدين ولا شيء عليه”.[74]
وجاء في قرار لمحكمة النقض: “…ذلك ان الزوج المطلوب في النقض اعترف بان الزوجة كانت ببيت والديها مع طفليها وادعى الانفاق عليهم فيكون القول قولها مع يمينها لأنه لم يثبت ادعاءه الانفاق. حيث ان من الثابت ان الزوجة الطاعنة كانت ببيت والدها مع طفليها من 25 ذي الحجة 1395 وتطالب بالنفقة عنها وعن ولديها من التاريخ المذكور وادعى الزوج الانفاق عليهم ولم يثبت ادعاءه بحجة. وحيث انه من القواعد الفقهية في مثل هذه الحالة يكون القول قول الزوجة مع يمينها. وحيث ان القرار المطعون فيه عندما قضى بان القول قول الزوج مع يمينه قد خالف الصواب وتعرض للنقض.”[75]
وجاء في قرار آخر: “حيث ثبت صحة ما عابه السببان، ذلك انه اذا تنازع الزوجان حول الانفاق من عدمه خلال مدة الزوجية ولا بينة لاحدهما، فان المحكمة تعتمد قول الزوج مع يمينه، لأنه بمقتضى عقد الزوجية يعتبر حائزا لزوجته والقول قول الحائز كما للبرزلي، والطاعن قد أثار بأن زوجته وولدها منه…يقيمان معه ببيت الزوجية الكائن بدولة اسبانيا وهو قائم الانفاق عليهما ويرعاهما، والمطلوبة في الطعن صرحت بانها زوجها الطاعن عاشرها هناك لكنه غادرها في شهر نوفنبر 2002، والمحكمة لما اعملت قول الزوجة مع يمينها دون ان تفصل في مدة المنازعة وتقضي فيها على مقتضى القاعدة الفقهية المذكورة، تكون قد خرقت القانون وعرضت قرارها للنقض”.[76]
يتضح أن القضاء يستند في حسمه لنزاعات استحقاق النفقة على قواعد الاثبات العامة اهما الاقرار واليمين الحاسمة كما نضمها الفقه الاسلامي، وطبقها القضاء المغربي والذي قد يأمر بأداء هذه اليمين أثناء جريان الدعوى في جلسة البحث ومن ثمة يأخذ بها القاضي في تعليله لحسم النزاع وقد يعلق امر اداءها الى حين التنفيذ في منطوق حكمه خصوصا في حالة عدم حضور الزوج المدعى عليها جلسة البحث، ويتضح ذلك من خلال عدة احكام وقرارات فقد جاء في حكم للمحكمة الابتدائية بالصويرة ما يلي: “وحيث انه بادعاء الزوج المدعى عليه انفاقه على زوجته وابنته اريج منها منذ تاريخ شهر فبراير 2020 ولتواجدهما معه ببيت الزوجية، فان القول قول الزوج مدعي الانفاق بيمينه، لكون واقعة الحوز ببيت الزوجية تعتبر شاهدا عرفيا مرجحا الى جانبه على الانفاق، مع تطبيق قاعدة النكول لقول صاحب التحفة: ناكرها في قولها للحين فالقول قوله مع اليمين. وحيث قررت المحكمة توجيه اليمين الشرعية للزوج الحاضر على انه كان ينفق عن زوجته وابنته منها عن هذه المدة، واقسم يمينا بالله على انه كان ينفق عن زوجته وعن ابنته عن المدة من فبراير 2020 الى غاية تاريخ مغادرة زوجته للبيت الزوجية في 11/08/2020 مما تحققت معه براءة ذمته الى غاية تاريخ خروجها 2020 ويتعين تبعا لذلك الحكم برفض طلب الزوجة بهذا الخصوص. وحيث انه بإقرار المدعى عليه بان زوجته قد غادرت بيت الزوجية منذ 11/08/2020 وإقراره بالإمساك عن الإنفاق عنها وعن ابنته منها منذ هذا التاريخ الامر الذي يتعين معه الحكم للمدعية بنفقتها ونفقة اريج ابتداء من هذا التاريخ والى تاريخ سقوط الفرض شرعا عنه”.[77]
كما اعتمد القضاء على القرائن في استحقاق الزوجة لنفقتها ونفقة ابناءها من تاريخ المطالبة، ونستشهد في ذلك بحيثيات حكمين ابتدائيين عن المحكمة الابتدائية بالصويرة حيث جاء في الاول: “وحيث انه باعتبار المدعى عليه في حكم الغائب عن زوجته بعد ان تركها بمنزل والديها، فان ذلك ينهض قرينة على عدم انفاقه عليها وشاهدا عرفيا مرجحا الى جانب هذه الاخيرة يتعين عليها ان تعضده باليمين حتى تستحق نفقتها ونفقة ابنها حمزة عن المدة من 25/11/2017 تاريخ الامساك الى تاريخ الطلب وذلك لتعارض الاصل المتمثل في براءة ذمة الزوج مع العرف المتمثل في غيابه فيقدم العرف على الاصل اعمالا للقواعد الفقهية المعمول بها في المذهب المالكي، واستنادا لقول الشيخ خليل بشان يمين زوجة الغائب: “بعد حلفها باستحقاقها” وفقا لما سيرد بمنطوق الحكم. وحيث اقسمت المدعية يمينا بالله على صحة قولها وان المدعى عليه غاب وامسك عن الانفاق عنها وعن ابنها طيلة هذه المدة واستحقت نفقتها ونفقة الابن عنها الى غاية تاريخ تقديم الطلب. وحيث ان تاريخ تقديم طلب النفقة الموافق 21/10/2018 يقوم وفقا لما سار عليه العمل القضائي قرينة قانونية وواقعية عن الامساك عن عدم الانفاق يعفي المدعية من اليمين وينهض حجة الى جانبها في استحقاق واجبات نفقتها ونفقة ابنها من المدعى عليه الى غاية سقوط الفرض شرعا عنه.”[78]
كما جاء في حكم اخر لنفس المحكمة: “وحيث انه في غياب ما يثبت تاريخ الفعلي لامساك المدعى عليه عن الانفاق عن زوجته بمقبول، وسكوتها طيلة هذه المدة حال دون التأكد من وسائل عيشها وطريقة الانفاق عن نفسها وتعذر حضور المدعى عليه رغم سابق الاستدعاء للحضور بعدة جلسات دون جدوى، واعتبارا لكون ان تاريخ تقديم طلب النفقة يقوم وفقا لما سار عليه العمل القضائي قرينة قانونية وواقعية عن الإمساك عن الإنفاق في غياب ما يثبت تاريخه الفعلي كما يعفي المدعية من اليمين وينهض حجة الى جانبها في استحقاق واجبات نفقتها من المدعى عليه ابتداء من تاريخ طلبها.[79]
ومن بين النوازل التي قد تطرح في هذه المسألة، حالة مغادرة الزوجة لبيت الزوجية بسبب مطالبتها بإفراد سكن مستقل مع اقرار الزوج بهذه الواقعة يجعل الشاهد العرفي لصالحها فالقول قولها بيمينها مدام سبب مغادرتها لبيت الزوجية مبني على سبب مشروع وأنها لا تعتبر ناشزا فتسقط نفقتها مدام لم يصدر في حقها حكم قضائي بالرجوع لبيتها فامتنعت عن تنفيذه، إضافة إلى ذلك، نجد أن الفقه حدد حكم نفقة المحبوسة ولأجل تبيان حكم هذه الحالة نورد قرارا لمحكمة النقض جاء فيه: “حيث صح ما عابه السبب، ذلك أن نفقة المحبوسة على زوجها غن حبست بحق شرعي، قال الشيخ خليل عاطفا على ما تسقط به النفقة “لا إن حبست أو حبسته”، وقال الخرشي “والمعنى أن نفقة الزوجة تسقط بعسر زوجها ولا تسقط بحبسها في دين شرعي ترتب عليها، لان المانع من الاستمتاع ليس من جهتها” (الجزء 1 ص 195)، والثابت من أوراق الملف ان المطعون ضدها وضعت رهن الاعتقال بسبب ارتكابها جريمة الخيانة الزوجية حسب حكم الادانة عدد 2474 بتاريخ 01/09/20 في الملف 01/2004، اي انها حبست بسبب غير شرعي مما يسقط حقها في النفقة، والمحكمة لما قضت لها بالنفقة خلال مدة حبسها تكون قد اساءت تطبيق الفقه، مما يبرر نقض القرار المطعون فيه جزئيا فيما قضى به بهذا الخصوص، وفيما يتعلق ببقية الاسباب فقد عللت المحكمة قرارها بأن حق الزوجة في افراد زوجها لها بيتا للزوجية بمعزل عن ضرتها قائم فقها، لقول خليل “ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه” وبموجب الفصل 119 فقرة 2 من مدونة الاحوال الشخصية، كما عللت بأن رسم النكاح عدد 91 تضمن ان مبلغ الصداق كله مؤجل يؤديه الزوج قبل البناء بزوجته ولا يعفيه الأداء، ولما ثبت لها عدم الوفاء به قضت به على الزوج وفق المقرر، وبذلك يكون السببان المثاران بخصوص السكنى والصداق على غير أساس مما يستوجب ردهما ورفض الطلب بشأنهما”.[80]
المطلب الثاني: منازعات الحوائج
من المسائل الخلافية التي قد تطرح أمام المحاكم سيما بعد انحلال ميثاق مسألة الخلاف حول ملكية متاع البيت من أفرشة وأسرة وآواني ونحوها، وهي الملكية التي قد يدعيها كل من الزوجين، أو أحدهما وورثة الآخر، أو ورثتهما معا في حال وفاتهما. وقد استنبط المشرع الأسري القواعد المعتمدة في فصل هذا الخلاف من الفقه الاسلامي الذي عالج هذه المسألة بشكل مستفيض.[81].
ومن ثمة فإن البت في مسألة أثاث المنزل له ضوابطه الشرعية حسب كل حالة:
1) فإن كانت هذه الأمتعة من المعتاد للرجال فيستحقها الزوج بعد ادائه اليمين.
2) وإذا كانت من المعتاد للنساء فتستحقها الزوجة بيمينها.
3) أما إذا كانت هذه الامتعة من المعتاد للرجال والنساء معا، فيحلفان ويقتسمانها بالتساوي. وتطبق هذه الأحكام ما لم توجد في الدعوى قرائن قوية تؤيد ادعاء احد الزوجين وتقتنع المحكمة ببناء الحكم عليها.
فالاختلاف في الجهاز او متاع بيت الزوجية، وهو المفروشات والاواني وغيرها فالمقرر فيه لدى المذهب المالك، اذا اختلف الزوجان في متاع بيت الزوجية، فادعى كل واحد منهم انه له، ولا بينة لهما او لاحدهما، فما كان من متاع النساء كالحلي وثياب النساء وخمارهن، حكم به للمرأة مع يمينها، وما كان متاع الرجال كالسلاح والكتب وثياب الرجال، حكم به للرجل مع يمينه، وما كان من متاع الرجال كالسلاح والكتب وثياب الرجال، حكم به للرجل مع يمينه، وما كان يصلح لهما جميعا كالدنانير والدراهم فهو للرجل مع يمينه.[84]
وقال الناظم في اختلاف متاع البيت:[85]
وان متاع البيت فيه اختلفـــــا ولم تقم بينتــه فتقتفــــــــــى
فالقول قول الزوج مع يميــن قيـما به يليـــق كسكيـــــــــن
وما يليـق بالنساء كالحلـــــي فهو لزوجة اذا مــــا تأتلــي
وان يكون لاق بكل منهمــــــا مثل الرقيق حلف واقتسمـــا
ونفس الأمر ذهب إليه الشارح التاودي، فعندما شرح الأبيات وتعرض المشهور المذهب قال: “وعليه انتصر خليل اذ قال: وفي متاع البيت فللمرأة المعتاد للنساء فقط بيمين والا فله بيمين”.[86]
لكن إذا ظهر نزاع مثلا وان كان يتعلق بمتاع البيت الا انه منصب على وجوده او عدم وجوده او عدم وجوده في بيت الزوجية. وذلك مثل ان يدعي الزوج ان ما تطالب به المدعية قد اخدته وقت او قبل خروجها من محل الزوجية وتقول هي بعكس ذلك او ظهر ان للمدعى منهما حجة كتابية او شفهية او قرينة فانه في مثل هذه الحالات لا مجال ولا لزوم لتطبيق هذه المقتضيات، بل يجب عندئذ الرجوع إلى تطبيق قواعد الاثبات المنصوص عليها في القانون المدني ضمن اطار قاعدة البينة على من ادعى واليمين على من انكر.[87]
وحيث حاولنا جهد المستطاع العثور على تطبيقات قضائية لحالة من حالات قسمة متاع بيت الزوجية فلم نصل الى المبتغى.[88]
خــــــــاتمة:
وصفوة القول، يبقى موضوع التطبيق القضائي للمذهب المالكي في كل ما لم يرد به نص في مدونة الاسرة من المواضيع الشيقة والشاقة وذلك لغزارة الاحكام الفقهية وشتاتها بين كتب الفقه التي تعد بحق مرجعا بل ثارتا علميا يفتخر به الباحث في دراسته وبحثه والقاضي في تطبيق احكامه والقارئ في استقراء قواعده التي على مرة الزمان تطبعها سمة المواكبة والمسايرة لمشاكل المجتمع.
وقد برع القضاء المغربي في تطبيق احكام الفقه الاسلامي في كل ما لم يرد به نص اد عمل على سماع دعوى ثبوت الزوجية على اساس الاصول الفقهية للمذهب امام مالك التي لا تعتبر الكتابة شرطا وبالتالي ركنا في ابرام عقد الزواج كالصيغة والصداق وهي مسألة لم نقم بتطرق لها لسبيبين السبب الاول هو يجب انتظار موقف محكمة النقض بهذا الصدد في ضل سكوت المشرع الاسري عن تحديد مآل الفترة الانتقالية للعمل بسماع دعوى ثبوت الزوجية والسبب الثاني هو المجال لا يسعنا لتطرق لكافة هده الاحكام النيرة.
ونحن لا ندعي الكمال في هذه الدراسة المتواضعة بل نقر بانها مجرد محاولة علمية متواضعة قادنا الفضول العلمي الى خوض غمارها للنفذ الى اغوارها ومن ثمة فهمها والسير على مقاصدها او كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه في رسالته الى أبي موسى الاشعري في القضاء: “وثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك، مما ورد عليك، مما ليس في قران ولا سنة، ثم قايس الامور عند ذلك، واعرف الامثال، تم اعمد فيما ترى الى احبها الى الله واشبهها بالحق” وبه نختم الكلام.
فرج علي عبد الله الجوان، مرجح سابق، الصفحة 54.-[2]
فرج علي عبد الله الجوان، مرجع سابق، الصفحة 55.[3]
بتاريخ 17/10/2021 على الساعة 10.45 صباحا.https://majles.alukah.net/t45736/ انضر الموقع [4]
فرج على عبد الله جوان، مرجه سابق، الصفحة 59.[5]
رشيد كرموت، الاجتهاد القضائي عند تعارض المشهور وما جرى به العمل عند المغاربة، مقال منشور بمجلة المنهل، الصفحة 4.[6]
فرج على عبد الله جوان، مرجع سابق، الصفحة 61.[7]
محمد رياض، اصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي، بدون ذكر المطبعة، طبعة 1996، الصفحة 613.[8]
محمد رياض، مرجع سابق، الصفحة 614.[9]
فرج علي عبد الله الجوان، مرجع سابق، الصفحة 94. [10]
بتاريخ 17/10/2021 على الساعة 11.45 صباحا. https://feqhweb.com/ انضر موقع:[11]
وهي قواعد اصولية تعد بحق صورة من صور ومظهر من مظاهر تراثنا الفقهي والقضائي.[12]
فرج علي عبد الله الجوان، مرجع سابق، الصفحة [13]
بتاريخ 17/10/2021 على الساعة 11.45 صباحا. https://feqhweb.com/ انضر الموقع: [14]
بتاريخ 17/10/2021 على الساعة 11.45 صباحا.https://feqhweb.com/ انضر الموقع: [15]
فرج علي عبد الله الجوان، مرجع سابق، الصفحة 102.[16]
رشيد كرموت ، مرجع سابق، الصفحة 7.[17]
رشيد كرموت، مرجع سابق، الصفحة 7. [18]
فؤاد محمد ابو عود، مصطلح ما جرى به العمل عند المالكية حقيقته و ضوابطه، دون دكر المطبعة ولا سنة الطبعة، الصفحة 10.[19]
محمد العاجي، المختصر الخليلي واثره في الدراسات المعاصرة نموذج القانون المدني المغربي، منشورات وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، طبعة 2011، الصفحة 170. [20]
فؤاد محمد ابو عود، مرجع سابق، الصفحة 3.[21]
فؤاد محمد ابو عود، مرجع سابق، الصفحة 3. [22]
فؤاد محمد ابو عود، مرجع سابق، الصفحة 12.[23]
فرج علي عبد الله جوان، مرجع سابق، الصفحة 109.[24]
محند او ادير مشتان، ما جرى به العمل واستقرار الفتوى، مقال منشور بمجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، الصفحة 109.[25]
وقد تطرقنا لهذا الترتيب في متن هذا الموضوع. [26]
محمد رياض، مرجع سابق، الصفحة 520.[27]
فؤاد محمد ابو عود، مرجع سابق، الصفحة 8.[28]
[29] وعليه فان أحكام الفقه المالكي استلهم منها المشرع المغربي نصوصه القانونية في عدة مجالات وأنظمة ومن بينها:
النظام العقاري: فباستقراء نصوص القانون رقم 38.09 المتعلق بمدونة الحقوق العينية نجد أن المشرع العقاري حصر لائحة الحقوق العينية العقارية كما حددها الفقه، كما انه وضع أحكاما للحيازة العاملة والتي يكتسب بها الملك مقتبسا قواعدها من الفقه المالكي، كما انه اخذ بنظام الشفعة الإسلامي، إضافة إلى سنه قواعد الترجيح بين الحجج في دعوى الاستحقاق مستلهما تلك القواعد من الأصول الفقهية الاجتهادية لمذهب إمام مالك…
النظام الأسري: باستقراء نصوص مدونة الأسرة نجد أن المشرع اعتمد في جل أحكامها على قواعد الفقه المالكي مع بعض الاستثناءات التي اعتمد فيه المشرع الأسري قواعد أخرى من خارج مذهب الإمام مالك رحمه الله نذكر مثلا صلاحية المرأة الراشدة في أن تزوج نفسها بنفسها دون ولي إذ أن الولاية أصبحت حق للمرأة تمارسها الراشدة حسب اختيارها ومصلحتها فلها تبعا لذلك أن تعقد زواجها بنفسها وفي ذلك صار المشرع المغربي على موقف الأحناف في هذه المسألة والتي يعود أصلها إلى هذا المذهب.
وعلى الرغم من ذلك فان هذه الاختلافات بين موقف المشرع المغربي والمذهب المالكي تبقى جد محدودة تجد فلسفتها في تحقيق مصلحة معينة يبررها جمهور الفقهاء فتبقى السمة البارزة هي توافق تلك الأحكام وانسجامها.
تجدر الإشارة إلى أننا سنعزف عن دراسة مكانة الفقه المالكي في مدونة الأسرة كمصدر مادي أو موضوعي لقواعد المدونة كونه يخرج عن نطاق ودائرة موضوع بحثنا.
عبد اللطيف هداية الله، اثر الفقه المالكي في القانون المغربي، مقال منشور بمجلة قانونية، الصفحة 176.[30]
عبد اللطيف هداية اله، مرجع سابق، الصفحة 172.[31]
وقد تجدر الاشارة الى ان المشرع العقاري عمل على اقرار نص مماثل في تطبيق احكام الفقه المالكي كمصدر رسمي احتياطي وان بدرجة متفاوتة ونستدل على ذلك بمقتضيات الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية والتي نصت على مايلي: “…تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 اغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد به نص في هذا القانون، فان لم يوجد نص يرجع الى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي”. [32]
محمد العاجي، مرجع سابق، الصفحة 201.[33]
محمد العاجي، مرجع سابق، الصفحة 209.[34]
ومعلوم ان القيم تشكل في كنهها المبادئ الشرعية التي تقوم عليها احكام مدونة الاسرة والتي يمكن الاستشهاد عليها من خلال استقراء نصوص المدونة نذكر منها:
المادة 4 من المدونة التي أقرت المساواة في رعاية الأسرة
المادة 51 من المدونة والتي اقرت مبادئ العدل والتسوية في المساكنة الشرعية.
المادة 51 من المدونة اقرت كذلك مبدأ المعاشرة بالمعروف وتبادل الاحترام والمودة والرحمة بما يحفظ مصالح الاسرة. [35]
عبد اللطيف هداية الله، مرجع سابقن الصفحة 179.[36]
قرار عدد 61 صادر بتاريخ 16 يناير 1982 ، اورده عبد اللطيف هداية الله، مرجع سابقن الصفحة 181.[37]
اذ اكتفى بتنظيم مسألة استمرارية انفاق الاب على أولاده المصابين بإعاقة والعاجزين عن الكسب في المادة 198 من مدونة التي لم يرد بها حالة من أصيب بالعجز بعد ان بلغ سن الرشد وارتفع وجوب الانفاق على ابيه تركا للقضاء امر التصدي فيه مستندا في ذلك على أحكام الفقه الإسلامي.[38]
قرار محكمة الاستئناف باكادير عدد 815 بتاريخ 18/9/07 في ملف اسري، منشور بكتاب قرارات استئنافية في قضاء الاسرة، الصفحة [39]
عبد اللطيف هداية الله، مرجع سابق، الصفحة 189.[40]
بتاريخ 18/10/2021 على الساعة 15.00 زوالا. http://www.al-eman.com/ انضر موقع:[41]
نصت هذه المادة على ما يلي: “يحكم للزوجة بالنفقة من تاريخ امساك الزوج عن الانفاق الواجب عليه، ولا تسقط بمضي المدة الا اذا حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت”
نشير في هذا الصدد بان البيت الذي يستقر فيه الزوجان ويسكنانه يعد بيتا للزوجية في مفهوم القانون والشرع هكذا فقد نجد بيت الزوجية عبارة عن شقة او سكن مستقل او الدار الكبيرة وغيرها…[42]
بتاريخ 18/10/2021 على الساعة 16.05 زوالا. http://www.al-eman.com/ انضر موقع: [43]
بتاريخ 18/10/2021 على الساعة 16.05 زوالا.http://www.al-eman.com/ انضر موقع:[44]
بتاريخ 18/10/2021 على الساعة 16.05 زوالا.http://www.al-eman.com/ انضر موقع:[45]
حكم المحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 18/02/2020 في الملف رقم 04/2020، غير منشور.[46]
ونشير في هذا الصدد ان العمل القضائي دأب الى الاخذ بالمطالبة الشفوية في هذه المسألة دون التقيد بقواعد المسطرة الكتابية وشكلياتها وذلك تماشيا مع روح وفلسفة النصوص الشرعية والقانونية في مجال الاحوال الشخصية والمبنية على التيسير والمرونة وانسجاما مع خصوصيات هذا المجال. [47]
حكم المحكمة الابتدائية بابي الجعد بتاريخ 07/03/2008 في الملف 07/10 منشور بكتاب المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الاسرة، الصفحة 426.[48]
بتاريخ 21/10/2021 على الساعة 11.00 صباحا.https://islamqa.info/ انضر موقع [49]
http://www.lejuriste.ma/ حكم المحكمة الابتدائية بالحسيمة عدد 229 بتاريخ 29/03/2007 في الملف عدد 520/2006، والمنشور بـ: [50]
.https://www.maroclaw.com/ حكم المحكمة الابتدائية بسيدي قاسم بتاريخ 26/10/2011 في الملف عدد 55/11، منشور بموقع [51]
عمر المزكلدي، الحق الكد والسعاية محاولة في التأصيل، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-الرباط، السنة الجامعية 2005/2006، الصفحة 68. [52]
تنص هذه المادة على ما يلي: لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الاخر، غير انه يجوز لهما في اطار تدبير الاموال التي ستكتسب اثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها.
يضمن هذ الاتفاق في وثيقة مستقلة من عقد الزواج.
يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر.
اذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من اعباء لتنمية الاسرة”.
ومقتضيات الفقرة الاخيرة من هذه المادة هي بيت القصيد في هذا الصدد.[53]
غير الواقع يشهد قلة العمل بهذه المقتضيات مما يجعل مقتضيات الفقرة الاخيرة من المادة 49 من مدونة الاسرة هي الاكثر اعمالا وتطبيقا كما سيأتي بيانه.[55]
الدليل الكتابي اقوى في الإثبات من الدليل الشفوي.
الاقرار سيد الأدلة، والمرء مؤاخذ بإقراره[56]
شهادة الإثبات تقدم على شهادة النفي.
والتي قد تكون عبارة عن اموال نقدية او منقولة او عقارية…[57]
وزارة العدل، دليل العدل المتمرن في مسائل الزواج والطلاق، الصفحة 65.[58]
وزارة العدل، دليل العدل المتمرن في مسائل الزواج والطلاق، الصفحة 70. [59]
وزارة العدل، دليل العدل المتمرن في مسائل الزواج والطلاق، الصفحة 68.[60]
.https://www.bibliojuriste.club/ حكم عدد 1959/369 بتاريخ 12/19/1959، منشور بموقع [61]
. https://www.bibliojuriste.club/ حكم عدد 60/411 بتاريخ 24/11/1960ن منشور بموقع [62]
https://www.bibliojuriste.club/ حكم عدد 19601/261 بتاريخ 20/09/1960 منشور بموقع [63]
https://www.bibliojuriste.club/ قرار عدد 1520 بتاريخ 05/3/1998 منشور بموقع [64]
https://www.bibliojuriste.club/ قرار عدد عدد 806 بتاريخ 14/09/2004 في الملف عدد 345/03 منشور بموقع [65]
حكم صادر عن قسم قضاء الاسرة بابتدائية الدار البيضاء عدد 4478 بتاريخ 24/04/2006 في الملف عدد 04/685، منشور بموقع [66]
https://www.bibliojuriste.club/
بتاريخ 22/10/2021 على الساعة 7.45 صباحا.https://www.bibliojuriste.club/ انضر الموقع: [67]
تجدر الاشارة الى ان مسالة المطالبة بحق الكد والسعاية تثار في الاصل عند انحلال العلاقة الزوجية وما ينتج عنها من اثار تتعلق بالمنازعات المتعلقة بالأموال المكتسبة اثناء قيام الزوجية والتي يفصل فيها القاضي لحلول اوانها.[68]
وقال صاحب التحفة: ويجب الانفاق للزوجات في كل حالة من الحالات.
كما انها واجبة على الأب بالنسبة لأولاده الصغار والعاجزين عن الكسب، فقال صاحب التحفة:
والفقر شرط للأبوين عدم مال واتصال للأمد
ففي الذكور بالبلوغ يتصل وفي الاناث بالدخول ينفصل
محمد الغنضور، الدليل المعين في تقنية تحرير الأحكام القضائية، مطبعة سوماكرام، الصفحة: 214.[70]
وهو سندنا في ذلك المواد 187 و 189 و 195 و 200 من مدونة الاسرة.[71]
حكم المحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 26/01/2021 في ملف رقم 01/2021، غير منشور.[72]
حكم المحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 09/02/2021 في الملف رقم 05/2021، غير منشور..[73]
قرار محكمة الاستئناف بسطات رقم 05/415 الصادر بتاريخ 01/06/2005 في الملف عدد 02/05/2020، منشور بكتاب قرارات قضائية استئنافية خاصة بالنفقة، الصفحة 2.[74]
mahkamaty.comقرار رقم 117 بتاريخ 14/02/1978 في الملف رقم 64250 منشور بموقع .[75]
قرار محكمة النقض بتاريخ 26/04/2006 في الملف عدد 109/2/1/2005، منشور بالمنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الاسرة، الصفحة 370.[76]
حكم المحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 13/10/2020 في الملف رقم 795/1606/2020، غير منشور.[77]
حكم المحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 18/12/2018 في الملف رقم 561/1606/2018، غير منشور.[78]
حكم المحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 04/12/2018 في الملف رقم 1567/1606/2018، غير منشور..[79]
قرار محكمة النقض بتاريخ 28/12/05 في الملف عدد 306/2/1/04 منشور بالمنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الاسرة، الصفحة 369.[80]
فقد جاء في المادة 34 من مدونة الاسرة: كل ما أتت به الزوجة من شوار يعتبر ملكا لها.
اذا وقع نزاع في باقي الامتعة، فالفصل فيه يخضع للقواعد العامة للاثبات.
غير انه اذا لم يكن لدى أي منهما بينة، فالقول للزوج بيمينه في المعتاد للرجال، وللزوجة بيمينها في المعتاد للنساء، اما المعتاد للرجال والنساء معا فيحلف كل منهما ويقتسمانه ما لم يرفض احدهما اليمين ويحلف الاخر فيحكم له.[81]
وزارة العدل، دليل عملي لمدونة الاسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسة الشروح والدلائل، مطبعة فضالة، الصفحة 35.[82]
وزارة العدل، دليل عملي لمدونة الاسرة، مرجع سابق، الصفحة36.[83]
رحال خالد، النزاع حول متاع بيت الزوجية، مذكرة مكملة من مقتضيات نيل شهادة الماستر في الحقوق: تخصص احوال شخصية، جامعة محمد خيضر-بسكرة، كلية الحقوق والعلوم الانسانية، السنة الجامعية 2015/2016، الصفحة 19.[84]
محمد العاجي، مرجع سابق، الصفحة 161.[85]
محمد العاجي، مرجع سابق، الصفحة 161.[86]
رحال خالد، مرجع سابق، الصفحة 29.[87]
تجدر الاشارة الى ندرة التطبيقات القضائية على هذا المستوى ولعل ذلك مرده قلة النوازل المعروضة في هذه المسألة بسبب ان الطرف المدعي قد يعوزه الإثبات وغيرها من الأسباب ومن ثمة يكون مآل دعوى قسمة متاع بيت الزوجية عدم القبول.[88]
يوليو 30, 2020 0
ديسمبر 25, 2019 0
أكتوبر 11, 2018 0
مايو 29, 2023 0
يونيو 01, 2022 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0