ديسمبر 24, 2019 afaqdroit الرئيسية, مقالات قانونية 0
يتسم قانون الشغل بمميزات جعلته يختلف عن باقي فروع القانون الأخرى والمتمثلة في الطبيعة الحمائية ووقوفه إلى جانب الطبقة العاملة بصفة عامة. و إذا كان قانون الشغل قد كرس التزامات متقابلة لطرفي العلاقة الشغلية، فإن هذه الالتزامات تبقى قاصرة عن استيعاب الهدف الاجتماعي المنشود في تنظيم هذه العلاقة، إن لم تقترن بمقتضيات النظام العام و حسن الآداب و الأخلاق الحميدة و مكامن حسن النية[1].
وجدير بالملاحظة، أن أداء العمل قد يولد مخاطر في مواجهة الأجير مما نجد المشرع جعل على عاتق المشغل التزاما بالمحافظة على صحة الأجراء وسلامتهم من الأخطار التي قد تلحق بهم أثناء أداء العمل[2]، سواء ما تعلق منها بتوفير وسائل الأمن والسلامة و الوقاية داخل المقاولة، و بالتالي العمل على الوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية، ومن أجل حسن تطبيق هذه المقتضيات تم إحداث أجهزة على مستوى المقاولة تقوم بأدوار في مجال حفظ صحة و سلامة الأجراء، ويتعلق الأمر بطب الشغل و لجان حفظ الصحة و السلامة كجهازين داخل المقاولة يسهران على حسن تطبيق المقتضيات المتعلقة بتدابير حفظ الصحة و السلامة داخل المقاولة.
مما لا شك فيه أن حاجة الإنسان إلى الشعور بالأمان و السلامة، طبيعة موجودة فيه، من أجل ذلك فهو يحاول دائما إيجاد السبل التي تمكنه من إشباع حاجته للأمان والسلامة، لهذا لم يدخر جهدا في التصدي لأي خطر يهدده في أمنه و في سلامته[3].
وبالتالي، فقد ألزم المشرع المغربي في مدونة الشغل، المشغل بمجموعة من الالتزامات إلى جانب الالتزام الأصلي بدفع الأجر والحماية المتعلقة به، يجعل على عاتق المشغل التزامات أخرى تتعلق بصحة وسلامة الأجراء سواء أثناء أداء العمل أو بعد انتهاءه منه والتي يجب تنفيذها بكل منتهى حسن النية.
ولا شك أن هذه المجموعة الأخيرة من الالتزامات تعتبر من بين مستلزمات حسن النية في تنفيذ عقد الشغل، ما دام أن المشغل يستفيد من خدمات هؤلاء الأجراء وبالأحرى لا بد من تحمل مسؤولية تأمين الوسط الصحي داخل المقاولة. لأن مبدأ حسن النية تتسرب عن طريقه مبادئ الأخلاق[4]، إلى مجال التعامل المادي فتقلل من غلواء ماديتها و تضفي عليها قدرا من الطابع الأخلاقي و الاجتماعي و الإنساني إعمالا لأسس التضامن و التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع[5].
وعليه، فإنه أمام حدة المواجهات بين العمال وبين أرباب العمل اضطر أغلب المشرعين إلى التدخل لسن مجموعة من النصوص القانونية التي تنظم أحكام المسؤولية والتعويض عن حوادث الشغل و الأمراض و طرق الوقاية منها[6]، و يمكن القول أن المشرع المغربي قد استوعب المخاطر التي يتعرض لها الأجراء، وكذا المقاولة اقتصاديا وعمل على تطوير هذه المبادئ من خلال ضغط العمال و النقابات المهنية، و لعله احتاط أيضا من التطور السريع للآلة داخل المقاولة، وعليه كيف تساهم بيئة العمل السليمة من تحقيق نوع من التنافسية وتقليل التكاليف المتعلقة بالإنتاج؟ وكيف عمل المشرع المغربي على حماية صحة الأجراء داخل المقاولة؟
وبالتالي فلا بد من التطرق إلى المقتضيات العامة الخاصة بحفظ صحة الأجراء داخل المقاولة ومساهمتها في تحيق والرفع من تنافسية المقاولة، وكذا المجهودات المبذولة من اجل تحقيق الأمن الصحي داخل الوسط المهني والوقاية من المخاطر المهنية التي قد تصيب الأجراء.
المطلب الأول: حفظ صحة الأجراء وسلامتهم وتحقيق تنافسية المقاولة.
يعتبر الحفاظ على صحة الأجير من بين أهم الدوافع في الإنتاج فكلما تمتع الأجير بصحة جيدة، و وجود ظروف عمل مناسبة كلما تحسن أداءه داخل المقاولة، و بالتالي فإن حفظ الصحة و السلامة المهنية للأجير تجسدت في العديد من المجالات، حيث أخذ الموضوع حيزا من المقتضيات القانونية[7]، ذات العلاقة بالمعايير التقنية، فاكتسب صفة النظام العام، لتتسرب إلى القواعد المنظمة لأماكن الشغل[8].
وعليه فإن مقتضيات حسن النية توجب على المشغل الالتزام بتوفير وسائل الأمن والسلامة والوقاية المنصوص عليها في مدونة الشغل باعتبارها أقل ما يمكن الالتزام به، أو في حالة وجود مقتضيات أكثر فائدة في عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو فيما يخص النظام الداخلي للمقاولة الذي يتم وضعه من طرف المشغل، ومن أجل تحقيق وقاية أفضل للأجير من خلال الرعاية الطبية التي تمكن من اكتشاف مبكر لكل ما يمكن أن يهدد صحة الأجير باعتبار سلامة الأجير داخل المقاولة من النظام العام الاجتماعي.
الفقرة الأولى: توفير وسائل الأمن والسلامة والوقاية من المخاطر المهنية.
ألزم المشرع المغربي المشغل بأن يسهر على نظافة أماكن الشغل، و أن يحرص على أن تتوفر شروط الوقاية الصحية، و متطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء[9]. و بالتالي فإن رب المقاولة و بمقتضى هذا الالتزام عليه أن يوفر كل أسباب الأمن و السلامة في منشأته و أن يهيئ كل ما يلزم لتمكين العامل من تنفيذ التزاماته[10]، لأن العمل المنفذ في إطار عقد الشغل قد ترافق عدة أخطار مهنية من شأنها أن تلحق الضرر بصحة الأجير و سلامته، و هو ضرر قد ينتج عن محيط الشغل غير الصحي أو عن الآلات التي يضعها المشغل رهن إشارة الأجير للاشتغال بها[11].
وتجدر الإشارة، أن المشغل لا يقتصر دوره فقط على توفير وسائل الأمن والسلامة والوقاية، وإنما عليه أيضا وبمقتضى السلطة التي خولها له المشرع من خلال سن النظام الداخلي للمقاولة أن يبين من خلاله المقتضيات الخاصة بالمحافظة على صحة الأجراء وسلامـتهم، بحيث أن عدم امتثال الأجراء للتعليمات الخصوصية المتعلقة بقواعد السلامة وحفظ الصحة وهم يؤدون بعض الأشغال التي تم تكليفهم بها من طرف المشغل قد يعتبر خطأ جسيما، يمكن أن يترتب عنه فصلهم من طرف المشغل دون إخطار ولا تعويض عن الفصل ولا عن الضرر.
وجدير بالملاحظة، أن عقد الشغل لم يبرم إلا من أجل أن يؤدي كل طرف التزاماته، وبالتالي على الأجير أن يقوم بأداء العمل، ويقع على عاتق المشغل توفير وسائل الوقاية أثناء ذلك، فمقتضيات حسن النية في التنفيذ تُـوجب عدم تعريض الأجير لأخطار جسيمة من جراء أداء العمل، وبالتالي فالمشرع منع على المشغل السماح لأجرائه باستعمال مستحضرات، أو مواد أو أجهزة، أو آلات ترى السلطة المختصة بأنها تلحق الضرر بصحتهم أو تعرض سلامتهم للخطر. و بالتالي فالمشغل ملزم باتخاذ جميع الاحتياطات للحفاظ على سلامة عماله من جهة و الحفاظ على صحتهم من جهة ثانية[12].
و تجدر الإشارة، أن ظهور أخطار جديد تهدد في نفس الوقت سلامة الأجراء و حقوقهم الأساسية[13]، نظرا للتطور التكنولوجي الذي يعرفه الوسط المهني، فتزايد التكنولوجية في العمل يجب أن يتبعه يقظة من طرف الجهة المشغلة قصد الحرص على ضمان سلامة و صحة الأجراء من كل الأخطار الجديدة، إذ أن توابع الالتزام بحفظ صحة الأجراء تلزم دائما المشغل في مواكبة تغطية الأخطار التي لم تكن معروفة في عهد ما، و بالتالي العمل على استخدام المعلوميات في خدمة سلامة الأجراء، من أجل الكشف عن كل الأضرار التي قد تنتج في بيئة العمل دون أن يظهر ذلك على صحة الأجراء إلا بتوالي السنوات، و بالتالي فاستعمال آلات الكشف المبكر داخل المقاولة فيه تطويع التكنولوجية لخدمة العمال و المقاولة في أن واحد.
وحري بالبيان، أن توفير وسائل الأمن و السلامة و الوقاية، و قيام المشغل بتعليق التعليمات في الأماكن البارزة و الظاهرة في مكان العمل[14]، ليس هو الهدف بحد ذاته، بل يجب على كل من الأجير و المشغل أن يتخذ من هذه التعليمات و التوجيهات و الإرشادات منهجا و سلوكا لهم في كل أوقات العمل[15]، و أن يعمل المشغل دائما على تذكير عماله بهذه التعليمات و التوجيهات، و أن لا يتساهل أو يتهاون في اتخاذ العقوبات التأديبية في مواجهة كل من خالفها[16]، لأنها من مقتضيات حسن النية في تنفيذ العقود عموما.
الفقرة الثانية: الأمن الصحي في الوسط المهني وعلاقته بالنظام العام الاجتماعي.
إذا كانت حوادث الشغل و الأمراض المهنية، تعتبر اليوم من المشكلات الرئيسية و الخطيرة التي تواجه دول العالم، فإن هذه الدول، وبصرف النظر عما أوجدته من قواعد لتعويض الأضرار الناجمة عنها، عملت على إيجاد و فرض مجموعة من التدابير الرامية إلى ضمان حد أدنى من السلامة داخل أماكن العمل[17].
وعليه، فإن الحديث عن سلامة الأجراء و صحتهم هو الحديث بالأساس عن طرق الوقاية من حوادث الشغل و الأمراض المهنية بصفة عامة، باعتبارها تهدد من ناحية صحة العمال، و من ناحية ثانية اقتصاد المقاولة، و لمواجهة هذا الوضع أحتج العمال بشدة وعنف أحيانا و انتظموا في إطار تكتلات مهنية و نقابية و طالبو بتحسين أوضاع الشغل و ظروفه، و بتزويد الآلات بوسائل السلامة و توفير الظروف المناسبة داخل أماكن العمل و خارجها[18]، فالسلامة هي الوضعية التي يكون فيها الأجراء بمنأى عن المخاطر، وهي تعني كذالك الوقاية الهادفة من الأخطار، و وسائل الوقاية و التحذير، علما أنه يجب التفكير في جيل جديد من الأخطار، أو على الأقل تهديدات نستقبلها في سياق المخاطر الصناعية أو التكنولوجية[19].
إذ من هذه العوامل التي ترتبط بالوقاية ما يرتبط بالعمل حيث تساهم العلاقات الاجتماعية الجيدة داخل المقاولة التي تربط بين العاملين في التقليل من الإصابات في مكان العمل[20]، و بالتالي فإن من هذه الحوادث و الأمراض المهنية المتجسدة في أمن بدن الأجير في البلاد الصناعية يعد بمثابة حجر الزاوية لقانون الشغل[21]، و كنتيجة للجهود المبذولة، فلا بد من توفر المقاولة على أجهزة الإنقاذ و الإسعاف، و كذلك تدريب العاملين على طريقة استخدامها[22] لأن الآلة دائما تكون بمحادة الأجير، و بالتالي فالتدريب على طريقة إجراء الإسعافات الأولية و كدا توفير أجهزة الإنقاذ من شأنه أن يقلل من أعراض الحادثة.
وجدير بالملاحظة، أن المشرع المغربي عمل منذ إصدار مدونة الشغل على السير نحو حماية الأجير، وذلك بوضع نصوص أمرة تسعى إلى تحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي، من خلال الحفاظ على صحة الأجراء، بحيث لا يكون الشغل سبب في اضطراب حالة الأجير الصحية أو بالأحرى حالته الاجتماعية[23].
فالأمن في الوسط المهني له علاقة بالنظام العام، و هو أمر يستوجب الاحترام من طرف رئيس المقاولة، ويقع تحت مسؤوليته، إذ يكون عليه أن يسهر على احترام هذه المقتضيات الخاصة بالوقاية من حوادث الشغل و الأمراض المهنية، التي تتسم أحيانا بتقنيات دقيقة، و هي ذات مقاربة شاملة، تحدد وسائل الوقاية على جميع مراحل الإنتاج، بما في ذلك التي تقع على عاتق صانع الآلة أو بائعها أو مكريها، و إذا كانت هذه المقتضيات من النظام العام، فإنه لا ينبغي آنذاك الأخذ بعين الاعتبار وقوع أو عدم وقوع حادثة شغل، لأن الأمر يُبحث فيه من منطلق خرق النص القانوني الذي يعتبر من النظام العام و ليس من منطلق وقوع الحادثة، بالتالي فتطلب التأمين عن حوادث الشغل من طرف المشغل إلزامي[24] لدى إحدى مقاولات التأمين، أما الأمراض المهنية فلم يشر المشرع المغربي إلى إلزامية التأمين ومع ذلك فمسؤولية المشغل عن الأمراض المهنية ثابتة رغم عدم ابرامه لعقد تأمين لأنها من النظام العام الاجتماعي، ويدخل من باب اعتبار المشرع لضرورات تأمين الأجير المصاب بحادثة شغل أو مرض مهني الاستفادة من بعض الإيرادات التي سيتم صرفها بعد احتسابها لكي تقوم بدورها المعيشي محل الأجر الذي كان يتقاضاه.
المطلب الثاني: تحقيق الأمن الصحي بالوسط المهني داخل المقاولة
إن الرقي بالوسط المهني، والحفاظ على تنافسية المقاولة، يقتضي دائما أن يتمتع جميع العاملين داخل المقاولة بصحة جيدة، لكي يقدم المردودية اللازمة، وبالتالي فحرصا على سلامة العاملين داخل المقاولة نجد المشرع المغربي ومن خلال مدونة الشغل عمل على إنشاء أجهزة داخل المقاولة تضطلع بمهام في مجال الوقاية وحفظ صحة الأجراء وسلامتهم.
وبالتالي فطبيعي أن ما تحدثه الحوادث التي تقع بالمقاولة و كذا الأمراض التي قد يصاب بها العاملين من قلق سواء في الوسط المهني، أو على المستوى الاجتماعي، و لذلك فإن جهاز طب الشغل يقوم بدور وقائي و استشاري داخل المقاولة في ما يخص سلامة الأجراء و صحتهم، و هذا يندرج ضمن السياسة التي ينهجها المشرع المغربي في مجال الوقاية من الأخطار المهنية في أماكن الشغل[25]، وقد تضمنت مدونة الشغل كذلك مقتضيات خاصة بلجان حفظ الصحة و السلامة التي تعتبر بدورها امتداد للحماية التي يقررها طب الشغل.
الفقرة الأولى: دور طب الشغل في تأمين الوقاية من المخاطر المهنية.
يؤدي طب الشغل دورا وقائيا، إذ أن سلامة الأجراء لا تتأتى إلا بسلامة الشغل، فالصحة و السلامة متلازمان، للتوازن بين الإنسان و محيطه، و في ذلك إدراج لمنطق الصحة في مفهومه الواسع، لأن طب الشغل من خلال الوقاية يساهم في تجنب الوقوع في العديد من الآفات التي يمكن أن يتعرض لها الأجراء[26]، و هو بذلك يساهم في التخفيف من الأعباء الاجتماعية للمقاولة[27]، و ذلك من خلال تدارك كل انحراف قد يقع في الوسط المهني[28] الذي قد يكون فيه خطر على صحة الأجراء أثناء أداء العمل[29].
إن تدابير الوقاية التي يجب أن يضطلع بها طب الشغل داخل المقاولة ستشكل خطوة من أجل اكتشاف الأخطار التي قد يتعرض لها الأجراء وتبليغها إلى المشغل قصد اتخاذ كافة التدابير بدوره كجهة فاعلة في مجال الوقاية، إذ يعتبر هذا التعاون الثنائي بين المصلحة الطبية للشغل والمشغل من بين السبل التي ستعمل على اتخاذ التدابير الاحترازية التي تؤمن بيئة العمل، باعتبار حوادث الشغل والأمراض المهنية التي قد يتعرض لها الأجراء تهدد أداء المقاولة[30] وتنافسيتها الاقتصادية.
و يتمثل الدور الوقائي الذي يقوم به طبيب الشغل في إجراء الفحوص الطبية الواجبة على الأجراء، خاصة الفحص الطبي الرامي إلى التأكد من ملائمة مناصب الشغل للحالة الصحية للأجراء عند بداية تشغيلهم، و إلى تجنيبهم كل ما قد يضر بصحتهم بسبب الشغل، و لاسيما مراقبة شروط النظافة في مكان الشغل، و مخاطر العدوى، و الحالة الصحية للأجراء، و ذلك بالبحث عن الوسائل التي تبعد المخاطر في الشغل، و التي بإمكانها أن تضر بصحة الأجراء، و إعطاء الرأي و النصح.
و يمكن لطبيب الشغل بصفة استثنائية، تقديم علاجات للأجراء في الأحوال الاستعجالية عند وقوع حوادث أو ظهور أمراض داخل المقاولة، و إسعاف كل أجير تعرض لحادثة شغل، إذا كانت الحادثة لا تؤدي إلى توقف الأجير عن أداء شغله، و يعتبر الهدف في ما يخص دور المصالح الطبية للشغل في وقتنا الحاضر، العمل ما أمكن على الملائمة بين العمل و الإنسان، لأنه شرط أساسي للرقي بالصحة[31] داخل الوسط المهني. وذلك من خلال الدور الاستشاري الذي يقوم به طبيب الشغل و خصوصا من خلال تطبيق التدابير المتعلقة بشروط النظافة في المقاولة، و ما يمكن من تحسين ظروف الشغل، من خلال وقاية الأجراء من الحوادث، وجميع الأضرار التي تهدد صحتهم، وبالتالي تحقيق وقاية مستدامة داخل المقاولة[32].
ثانيا: دور لجان السلامة وحفظ الصحة في تطوير برامج الوقاية من المخاطر المهنية.
إن عمل المشرع المغربي على فرض تأسيس لجان الصحة و السلامة داخل كل مقاولة أو مؤسسة تشغل خمسون أجيرا أو أكثر ، ليس في حد ذاته هدفا مباشرا من شأنه أن يحقق الوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية في كافة أبعادها، إلا أنه جانب مؤسساتي لازم لأي عمل يؤمن بأهمية المشاركة العمالية في مجال السلامة و حفظ الصحة[33]، و دليل على أن الأجراء لهم دور في مجال حفظ السلامة داخل المقاولة[34].
و بالتالي فإن المشرع بإحداثه لهذه اللجان قد أخد بعين الاعتبار أساسا مبدأ الحماية، التي يجب العمل على تطبيقها داخل المقاولة عن طريق المقتضيات التقنية و التنظيمية[35]. فلا أحد يحرص على صحته بقدر ما يمكن أن يحرص عليها الشخص المهدد بالخطر، ما دام أن تكوين هذه اللجان يتكون من أشخاص يفرزون من مختلف المشارب بالمقاولة[36]، و بالتالي فهي متضافرة من أجل المصالح الإنسانية و الاقتصادية و المالية، فهي تمثل الضمير بالمقاولة، و بالتالي فبدون إرادة جماعية من اجل إنجاح هذه اللجان داخل المقاولة فإن النصوص القانونية تصبح جوفاء[37]، ولعل التفكير في مفهوم جديد للمفاوضة الجماعية داخل المقاولة من أجل التفاوض حول تحسين ظروف الشغل والتشغيل داخل المؤسسة تتطلبه الظروف الراهنة داخل المقاولة من خلال اشراك هذه اللجان في البرنامج التفاوضي بشكل دوري من أجل الرقي بالوسط المهني داخل المقاولة.
وجدير بالملاحظة، أنه نظرا للدور الوقائي لهذه اللجان داخل المقاولة والاختصاصات التي فوضت إليها، فإن لها صلاحيات قوية تمكنها من الاضطلاع بدور تكميلي إن لم يكن أساسيا لوظائف طب الشغل و الطبيب مفتش الشغل و مهندس السلامة المهنية[38]. نجد أن المشرع المغربي ومن خلال مدونة الشغل، قد عهد إليها القيام بمجموعة من المهام داخل المقاولة من بينها:
فنظرا لارتفاع أعداد حوادث الشغل والأمراض المهنية وما سيشكل ذلك من تهديد على تنافسية المقاولة وزيادة التكاليف المادية والاجتماعية، فالحرص على تقوية دور هذه اللجان في مجال الوقاية وتمكينها من الاضطلاع بالأدوار المنوطة بها بشكل جدي والتزامها المتواصل على تبليغ كل الأخطار المهنية إلى المشغل في إطار برنامج الوقاية من المخاطر الذي ستعمل هذه اللجان على تطويره داخل المؤسسة.
وقد كان المشرع متشددا اتجاه إحداث هذه اللجان وأرسى بالفعل هيئة متكاملة سواء من ناحية التكوين إذ تضمنت أعضاء من ذوي الاختصاص داخل المقاولة، ومن ناحية أخرى لم تشمل بعض المؤسسة التي لا تتوفر على النصاب القانوني وهذا ليس في حد ذاته سبب لعدم العمل على الوقاية من المخاطر المهنية، إذا عمل المشغل على الامتثال للملاحظات والتقارير التي يوجهها مفتشي الشغل والطبيب مفتش الشغل ومهندسي الصحة والسلامة في إطار زيارات المراقبة والتتبع التي يقومون بها إلى مختلف الوحدات الإنتاجية والمقاولات الصناعية والفلاحية.
خاتمة:
رغم إحداث المشرع المغربي لبعض الهيئات التي تسهر على حفظ الصحة والسلامة داخل المقاولة، نجد أنها لا ترقى إلى القيام بالعمل المنوط بها، فكيف لطبيب شغل يرتبط بعقد شغل مع رب المقاولة أن يخالف هذا الأخير مالم تتوفر لديه ضمانات قانونية واجتماعية واقتصادية تساعده على القيام بمهمته بشكل مستقل؛ فالاستقلالية الشكلية للمصلحة الطبية للشغل لن تمكن من أداء مهامه وعليه نقترح أن يتم التعامل مع طبيب الشغل بالشكل الذي يتم التعامل به مع مراقب الحسابات داخل المقاولة مادامت أن العملية التي يقوم بها طبيب الشغل مهام وقائية وتقنية في آن واح من أجل الرقي بالدور الوقائي الذي يقوم به طبيب الشغل داخل المقاولة.
أما فيما يخص لجان السلامة وحفظ الصحة فلابد من تبني مفهوم جديد للمفاوضة الجماعية يقوم بإشراك كافة الفاعلين داخل المقاولة باعتبارها وحدة إنتاجية في استمرارها استمرار للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لجميع المنتمين إليها، وبالنسبة للجزاءات التي أقرها المشرع المغربي في حالة مخالفة المقتضيات المتعلقة بالصحة والسلامة داخل المقاولة فهي تتسم بالضعف وعدم التناسب بين حجم الضرر الذي يصيب الأجراء والربح المادي الذي يجنيه المشغل والخسارة التي قد يتعرض لها هذا الأخير في حالة تسويق منتوجاته في الدول التي تفضل استهلاك المنتوجات التي يتم انتاجها في ظروف تحترم فيه جميع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأجراء أو ما يصطلح عليه تحمل المقاولة الإنتاجية لمسؤوليتها الاجتماعية.
[1] دنيا مباركة، حسن النية في تنفيذ عقد العمل، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون، 2001، العدد 4، ص 31
[2] شاب توما منصور، شرح قانون العمل، رقم 151 لسنة 1970 دراسة مقارنة، دار الطبع والنشر الأهلية، الطبعة الرابعة، 1971، ص 358
[3] عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2004، ص 630
[4] إدريس الفاخوري، ترجيح الاتجاهات الأخلاقية في مجال العقود والالتزامات، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون، عدد 1، ص 13
[5] عبد الرزاق حسين يس، الوسيط في شرح قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية، الكتاب الأول، قانون العمل، المجلد الثاني، علاقات العمل الفردية، مطابع البيان التجارية، الطبعة الأولى، 1991-1992، ص 869
[6] بلال العشري، حوادث الشغل والأمراض المهنية، دراسة نظرية وتطبيقية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2009، ص 7
[7] القسم الرابع من الكتاب الثاني من مدونة الشغل، المواد من 281 إلى 361
[8] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مطبعة الصباح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة يناير 2007، ص 225
[9] المادة 281 من مدونة الشغل
[10] عبد الرزاق حسين يس، شرح قوانين العمل و التأمينات الاجتماعية، مرجع سابق، ص 870
[11] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 239
[12] قبلان سليم كيروز، قانون العمل المغربي، مطبعة البيان ، 1964، ص 173
[13] سميرة كميلي، قانون الشغل و التطورات التكنولوجية، مقال منشور بمجلة القانون المغربي، العدد 13 مارس 2009،ص 73
[14] المادة 289 من مدونة الشغل
[15] عبد الرزاق حسين يس، شرح قوانين العمل و التأمينات الاجتماعية، مرجع سابق، ص 874
[16] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 255
[17] عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، مرجع سابق، ص 630
[18] بلال العشري، حوادث الشغل و الأمراض المهنية، دراسة نظرية و تطبيقية، مرجع سابق،ص 7
[19] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 252
[20] نادية النحلي، الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، مطبعة إليت منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و لقضائية سلسلة الدراسات و الأبحاث، العدد 9 ، فبراير 2009، ص 238
[21] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 223
[22] المادة 317 من مدونة الشغل حيث جاء فيها:”يجب تلقين أجرين على الأقل من الأجراء الذين يعملون داخل كل ورشة تنجز فيها أشغال خطيرة، تقنيات و أساليب الإسعاف الأولي المستعجل.”
[23] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 224
[24] بلال العشري، حوادث الشغل و الأمراض المهنية، دراسة نظرية و تطبيقية، مرجع سابق،ص 15
[25] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، ص 263
[26] BOUHARROU AHMED, le droit des conditions du travail ( la santé et la sécurité au travail), 2010, page 84
[27] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 285
[28]BOUHARROU AHMED, le droit des conditions du travail ( la santé et la sécurité au travail), 2010, page 85
[29] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 291
[30] S. CAROLY ;J.M.SCHWETZA ; F.COUTAREL ;Y.ROQUELANE ,Démarche de construction des indicateurs de santé pour orienter la prévention durable des TMS :rôle des services médical dans une entreprise de l’automobile ,Congrès self 2006 , p224
[31] نادية النحلي، الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، مرجع سابق،ص 289
[32] S. CAROLY ;J.M.SCHWETZA ; F.COUTAREL ;Y.ROQUELANE ,Démarche de construction des indicateurs de santé pour orienter la prévention durable des TMS :rôle des services médical dans une entreprise de l’automobile ,Congrès self 2006 , p225
[33] نادية النحلي، الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، مرجع سابق، ص 337
[34] BOUHARROU AHMED, le droit des conditions du travail ( la santé et la sécurité au travail), 2010, page 79
[35]محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 263
[36] BOUHARROU AHMED, le droit des conditions du travail ( la santé et la sécurité au travail), 2010, page 80
[37] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 265-266
[38] الميلودي زلماط، الحوار الاجتماعي في مدونة الشغل الجديدة، مجلة المناهج القانونية، عدد مزدوج 15/16، سنة 2011، ص 83
نوفمبر 09, 2021 0
يوليو 30, 2020 0
ديسمبر 11, 2018 0
أبريل 16, 2018 0
مايو 29, 2023 0
يونيو 01, 2022 0
مارس 12, 2022 0
أكتوبر 29, 2021 0