مايو 04, 2018 محمد أبودار مقالات قانونية 0
المقدمة
بعد تطور العلاقات الدولية وظهور اشخاص القانون الدولي من دول ومنظمات اصبحت المعاهدات وسيلة مهمة من وسائل التعامل الدولي بين الدول والدول الاخرى او بين الدول والمنظمات الدولية، اذ ان المعاهدات الدولية عملت على تنظيم العلاقات السياسية والقانونية والعسكرية والتجارية … والى غير ذلك من العلاقات الدولية.
ولأهمية هذه العلاقات وعدم تعارضها مع النظام القانوني داخل الدولة، ظهرت الحاجة الى الرقابة الدستورية للمعاهدات الدولية، وبما ان الدستور هو الذي ينشئ النظام القانوني فان قواعده تحتل المكانة العليا في النظام، ولا يجوز مخالفة هذه القواعد سواء كان ذلك بعمل مادي او قانوني، وهذا ما يطلق عليه مبدأ سمو الدساتير، وهنا يأتي دور الرقابة في التأكد من مدى توافق او تعارض نصوص المعاهدات الدولية مع قواعد الدستور باعتبار ان قواعد الدستور هي القواعد الاسمى التي لا يجوز مخالفتها، واذا ما خالفت نصوص المعاهدات الدولية قواعد الدستور فأننا حينئذ امام مشكلة تنازع الاختصاص، ويتطلب من الجهة المختصة بالرقابة الطعن لدى الجهات التمييزية العليا ذات الاختصاص.
وبذلك فان مشكلة الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في العراق، من المشاكل التي يجب معالجتها من قبل القضاء العراقي اذا ما تعرض لها عند تطبيق نصوص المعاهدة المخالفة للدستور، على اعتبار ان المعاهدة في العراق تصدر بقانون وان اقرار الرقابة الدستورية على القوانين في العراق قد منحت للمحكمة الاتحادية العليا كما جاء في قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ومن ثم في الدستور العراقي الدائم لسنة 2005.
فرضية البحث: يقوم البحث على فرضية مفادها ان وجود الرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية في العراق يحقق مبدأ الاستقرار السياسي الداخلي والخارجي، ويعمل على توزيع الاختصاصات والفصل بين السلطات وبالتالي يساعد على ترسيخ النظام ويدعم مرتكزات الدولة الديمقراطية.
اشكالية البحث: هناك بعض التساؤلات البحثية تشكل نقطة الاشكالية ممكن طرحها بالاتي:
-ما هو شكل الرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية؟
-ما هي المتطلبات القانونية لعقد المعاهدات الدولية في العراق؟
-ما هو ميدان الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في العراق؟
ويبقى الاشكال الرئيس بالنسبة للرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية في العراق يثار في تحديد القيمة القانونية للمعاهدة وان كان العراق يمتلك قضاءاً دستورياً مستقلاً في ظل دستور عام 2005، فهل لهذا القضاء فرض الرقابة على دستورية المعاهدات؟
منهجية البحث: لبيان الرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية في العراق كان لزاماً علينا اتباع المنهج التحليلي للقوانين الصادرة والنافذة في العراق، كذلك استخدمنا المنهج الاستقرائي للنصوص والقوانين التي تخص المعاهدات الدولية، بغية الوصول الى هدف البحث.
هدف البحث: يهدف البحث الى بيان القيمة القانونية للمعاهدات الدولية في العراق، من خلال تحليل النصوص القانونية، ومعرفة الجهة المناط اليها الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية، في ظل دستور عام 2005.
اهمية البحث:تأتي اهمية البحث من اهمية الحاجة للرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية في حالة احتمال التعارض بين القوانين الوطنية والدولية، بعدما شهد العراق مزيداً من الانضمام الى المعاهدات الدولية، ذات البعد السياسي والاقتصادي ..الخ.
هيكلية البحث: جاء البحث بمقدمة وثلاث مباحث فضلاً عن الخاتمة نهاية البحث، يتناول المبحث الاول الية تصديق المعاهدة الدولية في العراق بعد اكتمال متطلباتها، ونخصص المبحث الثاني لنفاذ المعاهدة في النظام القانوني العراقي، وحل التنازع بين المعاهدة والقانون الداخلي العراقي، واخيراً يتطرق المبحث الثالث الى ميدان الرقابة على المعاهدات الدولية في العراق، بعد بيان مكانة المعاهدة وقيمتها القانونية في النظام القانوني، ومن ثم الرقابة القضائية على المعاهدات الدولية في العراق والذي تختصها المحكمة القضائية العليا.
مدخل مفاهيمي
المعاهدة الدولية هي اتفاق مكتوب بين الدول او أشخاص القانون الدولي العام ممن يملكون الاهلية لإبرام المعاهدة، بقصد ترتيب أثار قانونية معينة وفقاً لقواعد القانون الدولي العام, وانشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق اطرافه، سواءً تم هذا الاتفاق في وثيقة واحدة أو عدة وثائق وأياً كانت التسمية التي تطلق عليه([i])،وهذا وفقاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969، اذ جاء تعريف المعاهدة وفقاً للمادة الثانية منه بانها اتفاق دولي خاضع للقانون الدولي ومعقود كتابةً بين دولتين او اكثر سواء ورد في وثيقة واحدة او اثنتين او اكثر من الوثائق المترابطة، واياً كانت تسميته الخاصة، ويتضح من هذا التعريف ان للمعاهدة شروط يجب توافرها في وثيقة ما حتى تعتبر معاهدة دولية وبالتالي تخضع لأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969، بشأن الشروط المطلوبة لإبرام المعاهدة وقواعد النفاذ والتحفظ والتفسير والتعديل وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالاتفاقيات([ii]).
وحسب التقرير الذي قدمته لجنة ميثاق فيينا عن اعمالها في الدورة الثمانية عشر التي عقدت في الفترة 8 ايار الى 19 تموز 1966، فان لفظ المعاهدة Treaty، يستخدم للتعبير عن كل اشكال الاتفاقات المكتوبة التي تعقد بين الدول([iii]). اذ ان المعاهدات والاتفاقيات الدولية لها مسميات عدة تختلف من موضوع الى اخر ومن منطقة الى اخرى، ومسألة تعدد المسميات يمكن ردها الى اعتبارات تتعلق بالدستور او القانون الداخلي في الدول المتعاقدة واهم التسميات المستخدمة لوصف العلاقات التعاقدية بين الدول هي:
1.الاتفاقات ذات الشكل المبسط:: والفرق بينها وبين المعاهدة يتعلق فقط بطريقة عقد الاتفاق ودخوله دور التنفيذ، اذ تعقد بواسطة وزراء الخارجية والممثلين الدبلوماسيين، دون ان يتدخل رئيس الدولة عادة في ابرامها، وقد ذهبت لجنة ميثاق فيينا([iv]) الى انه من غير المقبول استبعاد بعض اشكال الاتفاقات الدولية من النطاق العام لاتفاقية تتعلق بقانون المعاهدات لمجرد وجود بعض اوجه الاختلاف بين هذه الاتفاقات الرسمية سواء تعلق ذلك بطريقة عقدها او دخولها في دور التنفيذ([v])، وفي العراق فانه لا يجوز ابرام اتفاقات ذات الشكل المبسط الا اذا كان الاتفاق في صورة اتفاق تنفيذي لمعاهدة سبق التصديق عليها، وتسمى بالبرنامج التنفيذي، ومثال ذلك البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي والعلمي بين جمهورية العراق والمملكة المغربية للسنوات 1990، 1991، 1992، وذلك تنفيذاً لاتفاقية التعاون الثقافي والعلمي المعقودة بينهما في 24 نيسان عام 1986([vi]).
2.المعاهدة Treaty:يفرق الشراح بين عدة انواع من المعاهدات حسب تقسيماتها، واهم هذه التقسيمات هو تقسيم المعاهدات من الناحية الشكلية الى معاهدات ثنائية ومعاهدات جماعية، وهناك تقسيم اخر حسب الوظيفة القانونية التي تتوخى تحقيقها كل معاهدة اذ يميز بين المعاهدات العقدية والمعاهدات الشارعة، او ما تسمى بالاتفاقات الخاصة والاتفاقات العامة، حسبما اطلقته المادة الثامنة والثلاثون الفقرة 1- (أ) من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية([vii]).
وهو مصطلح يطلق عادة على الاتفاق الدولي الذي يتناول بالتنظيم موضوع على درجة من الأهمية ويغلب عليه الطابع السياسي كقضايا الحدود وتسليم المجرمين والصداقة، او الطابع الاقتصادي كقضايا التعاون الاقتصادي، وتوقع المعاهدات عادة من قبل رؤساء الدول او رؤساء الحكومات([viii]).
3.الاتفاقياتConventions:يستخدم هذا المصطلح للدلالة بشكل عام على كل اتفاق ثنائي او جماعي مكتوب وملزم قانوناً لأطرافه،وكثيراً ما يستخدم للدلالة على الاتفاقات الجماعية التي يفتح باب التوقيع عليها لجميع الدول وتكون في اغلب الاحوال تحت رعاية الامم المتحدة او احدى المنظمات الدولية، وقد ورد ذكر الاتفاقيات Conventions، في النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية كمصدر من مصادر القانون الملزمة للمحكمة بتطبيقه على اطراف النزاع([ix]).
4.الميثاق او العهد Pacte Charter: وهو مصطلح يطلق على أي اتفاق دولي يستمد أسمه من موضوع المعاهدة الذي ينظمه وكذا من حيث أهميته بالنسبة للدول الأطراف, ويستخدم عادة لتسمية الوثائق القانونية للمنظمات الدولية والإقليمية مثل عهد عصبة الامم 1919،وميثاق الأمم المتحدة 1945م، وميثاق جامعة الدول العربية 1945، وميثاق مجلس التعاون الخليجي 1981([x]).
5.النظام الاساسي Statute : وهو مصطلح ظهر حديثاً في القانون الدولي العام المعاصر, ويطلق على المعاهدات متعددة الأطراف والتي بموجبها تُنشأ بعض المنظمات والأجهزة الدولية مثل نظام محكمة العدل الدولية 1920، والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية 1945، والنظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية 1956، والنظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998([xi]).
6.الاتفاقAccord- Agreement:وهو مصطلح يطلق على الاتفاق الدولي الذي يهدف إلى وضع قواعد قانونية ملزمة لتنظيم العلاقات بين الدول الأطراف, بما في ذلك الاتفاقات الشفوية التي تخرج عن نطاق اتفاقيةفيينا لقانون المعاهدات، وكثرت استعمالات المصطلح في الوقت الحاضر لوصف الاتفاقيات الثنائية او تلك التي تتم على نطاق اقليمي سواء كانت توقع من قبل رؤساء الدول او حكومات او بين جهات حكومية اقل رسمية([xii]).
7.البروتوكولProtocol: وهو اتفاق دولي معدل لاتفاق سابق أو مفسر له أو مكمل له مثل بروتوكول (كيوتو) المعدل لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ 1998، ويختلف استخدام الدول لمصطلح البروتوكولProtocol على اربعة انواع هي([xiii]):
-برتوكول اختياري لمعاهدة An Optional Protocol To A Treaty: وهو وثيقة تتضمن التزامات وواجبات لم تتطرق اليها المعاهدة او الاتفاقية ويحتاج البرتوكول الاختياري الى اجراءات تصديق خاصة به، فنفاذ المعاهدة يعتبر شرطاً لنفاذ البرتوكول ولا يعني نفاذ البرتوكول ففي كثير من الاحيان يقتصر التوقيع او الانضمام الى البرتوكول على الدول الاطراف في المعاهدة الام، ومن الامثلة البرتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الاطفال في المنازعات المسلحة، فاتفاقية حقوق الطفل تم اعتمادها في عام 1989 اما البرتوكول الاختياري فقد تم اعتماده عام 2000 للتأكيد على حماية حقوق الاطفال وتحقيق مقاصد اتفاقية حقوق الطفل.
-برتوكول مبني على معاهدة اطارية A Protocol Based On A Framework Treaty: وهو وثيقة تتضمن التزامات وواجبات تفصيلية لمسألة تم النص عليها بشكل عام في معاهدة او اتفاقية اخرى، ويحتاج هذا النوع الى اجراءات تصديق خاصة به ولا يكتفي بإجراءات التصديق على المعاهدة او الاتفاقية التي اشارت اليه.
-بروتوكول لتعديل A Protocol To Amend: وهو وثيقة تتضمن احكاماً لتعديل معاهدة او اتفاقية قائمة كالبروتوكول المعدل لاتفاقية انشاء الوحدة الاقتصادية بين بلجيكا ولكسمبورغ والموقع في يناير 1963.
-بروتوكول اضافي A Supplementary Protocol: وهو وثيقة تتضمن احكاماً مكملة لمعاهدة او اتفاقية كالبروتوكولين الاضافيين لسنة 1977 لاتفاقيات جنيف الاربع 1949([xiv]).
9.البيان او محضر موقع A Proces-verbal: هو وثيقة تتضمن تسجيلاً لنقاط التفاهم التي تم التوصل اليها من قبل اطراف الاتفاق او تسجيلاً لواقعة او حدث معين.
10.التصريح او الإعلانDeclaration: وهو اتفاق دولي عادة ما يطلق على الوثائق التي يكون موضوعها تأكيد مبادئ للعملالسياسي والاخلاقي ولا ترتب أي التزامات قانونية على اطرافها، ويمكن تقسيمه الى:
– تصريح جماعي او اعلان مشتركJoint Declaration: مثل اعلان مدريد المشترك بين المملكة المتحدة والارجنتين حول السيادة على جزر فوكلند والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بينهما في المناطق المحيطة بهذه الجزر.
-الاعلان التفسيري Interpretive Declaration: ويصدر هذا النوع عند التعبير عن الارتضاء بالالتزام باتفاقية معينة.
-الاعلان او الفعل الانفرادي Unilateral Declarations: هو اعلان تصدره الدولة بقصد احداث اثار قانونية محددة، ومن امثلته الاعلان بقبول الدولة الولاية الجبرية لمحكمة العدل الدولية.
-مذكرة شفوية Note Verbal: هي اعلان بصيغة مذكرة تعبر فيه الدولة عن موقفها من مسألة معينة.
11.مذكرة التفاهمMemorandum Of Understanding:وتستخدم هذه التسمية لوصف الوثائق غير الملزمة قانونا والتي تتضمن كثير من التفاصيل الفنية او تلك التي تحدد اطاراً عاماً للتعامل.
12.الترتيب او التسوية المؤقتة Modus Vivendi:هي وثيقة تسجل اتفاقاً دولياً ذو طبيعة مؤقتة.
13.تبادل المذكرات او الرسائل Exchange Of Notes Or Letters: هي معاهدة او اتفاقية ثنائية يتم التعبير فيها عن الرضاء بالالتزام عن طريق تبادل رسائل او مذكرات بين الطرفين بحيث تتضمن الاولى عرضاً والثانية قبولاً لهذا العرض ويتم في رسالة القبول تكرار لنص العرض([xvi]).
وخلاصة الموضوع ان محاولة تصنيف الاصطلاحات واعطاء كل منها معنى يخالف الاصطلاح الاخر هي محاولات غير وثيقة لان الواقع من الناحية الفقهية ان الاحكام التي تنظم هذه المسميات المختلفة هي احكام واحدة. وطالما كان الاتفاق بين شخصين دوليين أو أكثر مكتوباً فهو يعد اتفاقية دولية بصرف النظر عن الاسم الذي يطلق على هذا الاتفاق فقد يسمى معاهدة أو اتفاقية أو ميثاق أو عهد أو صك أو دستور أو شرعة أو إعلان…الخ([xvii]).
تخضع اجراءات ابرام المعاهدات في العراق لنصوص الدستور ولقانون خاص عند الاقتضاء، كقانون عقد المعاهدات رقم 111لسنة 1979، الذييعد القانون العراقي النافذ لعدم صدور قانون يلغيه او يعدله، وبالرغم من ان البعض يرى ان هذا القانون يعتبر لاغياً كون الدستور العراقي لسنة 2005 في الفقرة 13 منه، اعتبر اي نص مخالف لأحكام الدستور ملغاة، الا ان الحقيقة ان ذلك الدستور نفسه قد نص على استمرار القوانين والتشريعات نافذة لحين الغائها او تعديلها وفقاً لأحكام الدستور وفي كلا الحالتين تبرز على السطح اشكاليات وتعارض تؤثر بصورة كبيرة على وضع العراق على المستوى الدولي وما يجره ذلك من تأثيرات على الوضع الداخلي ويصيب في الصميم اساس السيادة العراقية([xviii])، نظراً لعدم صدور قانون لعقد المعاهدات يتماشى مع ظروف المرحلة الحالية، كما يحدد اختصاصات كل من الاقاليم والسلطات الاتحادية بشأن امكانية عقد المعاهدات، مثل ما هو معمول به في الولايات المتحدة الامريكية التي تنظم عملية ابرام المعاهدات والاتفاقيات واختصاصات السلطات الفيدرالية لتلافي الاشكال الذي قد يحصل، وهو الاشكال الاخر بشأن الية ابرام المعاهدات الدولية في العراق، القائم بين الحكومة الاتحادية والاقاليم، رغم ان الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 يقر بوجود ثلاث مستويات للسلطات الاتحادية مؤكداً الترتيب الذي ارساه قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بوجود ثلاث مستويات للنظام الفيدرالي هي الحكومة الاتحادية، وحكومات الاقاليم، وحكومات المحافظات، فقد نص الدستور الدائم على انه ((يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم.. ومحافظات لا مركزية وادارات محلية))([xix])، ويحدد دستور 2005 في المادة 110، في الفقرة اولاً ((رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية)) بانها تعد من الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية([xx])، ووفق هذا النص الدستوري الصريح يزال الغموض بالنسبة لصلاحية ابرام المعاهدات في العراق التي تعطي الحق في ابرام المعاهدات للسلطات الاتحادية حصراً، وعليه سوف ينصرف هذا البحث الى حل الاشكالية الاولى (التنازع بين المعاهدات والدستور) دون الاشكالية الثانية (اختصاصات الحكومة المركزية والاقاليم في ابرام المعاهدات) التي تقتضي بحثاً مستقلاً.
المطلب الاول: المتطلبات القانونية والدستورية لإبرام المعاهدة
ان ما يسري على العراق يسري كحال أي دولة تضع اسس ومتطلبات قانونية ودستورية وتعليمات توضح التطبيقات العملية لآلية ابرام الاتفاقيات والمعاهدات، وبداية لم تميز الفقرة الثانية من المادة الاولى من قانون عقد المعاهدات لسنة 1979 في التسمية بين الاتفاق والمعاهدة والبروتوكول والاتفاقية ومذكرة التفاهم والرسائل والكتب المتبادلة فليس المعيار في التمييز هو التسمية طالما ان هذا الاتفاق (باختلاف تسمياته) هو اتفاق للإرادات بين حكومة جمهورية العراق وغيرها من اشخاص القانون الدولي العام (دولاً ومنظمات دولية اقليمية او غير اقليمية).
اولاً: الاسس القانونية لإبرام المعاهدات.
يحدد قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979 الاسس القانونية لإبرام المعاهدات والاتفاقيات فقد عرف المعاهدة ومستلزمات المفاوضات وفقاً للمادة الرابعة وعرض مشروع المعاهدة قبل التفاوض على مجلس شورى الدولة ووزارة الخارجية واللجان الاقتصادية([xxi])، وأوضحت المادة 7 من القانون لغة المعاهدة وفقاً للفقرة 2 ان تكون باللغة العربية واللغة التي تعتمدها الدولة المفاوضة على ان تكون للغتين ذات الحجية القانونية، او بإحدى اللغتين الانكليزية او الفرنسية اذا اقتضت ضرورات المفاوضات اعتماد احداهما لغة للمعاهدة([xxii])، وتناولت المادة الثامنة من الفصل الرابع من قانون عقد المعاهدات ضوابط عنوان المعاهدة الثنائية الى اسمها وان يراعى تقديم اسم جمهورية العراق على الاسم الرسمي للدولة المفاوضة، في النسخة الاصلية العائدة لجمهورية العراق([xxiii])، كما تناولت الديباجة وهي تعني مقدمة المعاهدة ويتضمن اسم جمهورية العراق والدولة المفاوضة وملخص بالمبررات والاغراض الاساسية لعقد المعاهدة، اما المتن فهو مجموعة احكامها الموضوعية وتوزع هذه الاحكام بين مواد متسلسلة وتقسم الى مواد([xxiv])، واخيراً وكما ورد في المادة 11 من قانون رقم 111 لسنة 1979، ان يتضمن احكاماً ختامية تشير في مواد مختلفة الى المسائل الاتية:
وحسب القواعد الدولية لعقد المعاهدات فانه بعد اتفاق المفاوضين على وجهات النظر تبدأ المرحلة التالية وهي تحرير المعاهدة، أي كتابة الاتفاق الذي جرى بينهم، وعلى الرغم من انه ليس هناك ما يمنع قانوناً من عقد المعاهدة بصورة شفهية، الا ان الدول لا تلجأ لذلك لصعوبة اثبات ما اتفق عليه، وما يتبع ذلك من خلافات ومنازعات قد تثور بشأنه([xxviii]). ولذلك نجد العراق يركز على تحرير المعاهدة وليس عقدها شفهياً؛ لكون اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969، تحدد اقتصارها في تطبيق قواعد الاتفاقية على المعاهدات المكتوبة والمبرمة بين الدول وبعضها الاخر([xxix])، وبعد تحرير المعاهدة يوقع عليها مندوبي الدول المتفاوضين، والاصل ان هذا التوقيع لا يكفي كقاعدة عامة لالتزام الدول بالمعاهدة، وانما ينحصر اثره القانوني في توثيق المعاهدة بين الاطراف وذلك لان التوقيع يعد عادة قبولاً مؤقتاً ويجب ان يليه اجراء يفيد قبول المعاهدة بصفة نهائية وهو التصديق([xxx]).
وقد تناول قانون عقد المعاهدات العراقي رقم 111 لسنة 1979، في مواد متنوعة ومنها اعتماد المعاهدات وتوثيقها والالتزام بها بالتوقيع عليها وفقاً لنص المادة 15 والمادة 16 واجراء التصديق الواردة في المادة 19 وقد منح للسلطة التنفيذية التي كانت تتمثل برئيس الجمهورية ومجلس قيادة الثورة (المنحل) السلطة المطلقة في عقد المعاهدات والمصادقة عليها وقد رسم القانون الية التفاوض وابرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية ونفاذها([xxxi])، ونصت المادة 28 من قانون عقد المعاهدات على انه (تتولى وزارة الخارجية بناء على طلب من الجهات المختصة اعداد وثائق التفويض والتفويض بالتوقيع والاجازة اللاحقة بالتفويض بالتوقيع ووثائق التصديق او الموافقة ووثائق التفويض بتبادل وثائق التصديق ومحاضر تبادل وثائق التصديق والمذكرات المؤيدة للتصديق او الموافقة ووثائق الانضمام للأغراض المحددة في هذا القانون([xxxii]).
الا ان الملاحظ على قانون عقد المعاهدات انه لا يتناسب مع وضع العراق الحالي، لان صلاحيات مجلس الوزراء الحالي قد تم ذكرها حصرياً في المادة 80 من الدستور وهي تختلف اختلافاً كبيراً عن الصلاحيات التي كان يتمتع بها مجلس قيادة الثورة المنحل.
وفيما يخص ما ورد في الدستور العراقي لسنة 2005 بخصوص الاتفاقيات والمعاهدات، فقد اناطت المادة 80 من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 لمجلس الوزراء صلاحية التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها او من يخوله([xxxiii])، هنا نرى ان سلطة التفاوض والتوقيع على المعاهدات هي حصرياً بيد مجلس الوزراء([xxxiv]).
مع العلم ان وثيقة التفويض الممنوحة والمتعارف عليها دولياً، تخول المندوب إمكان التفويض وتحرمه من صلاحية التوقيع إلا إذا منح هذه الصلاحية، ورئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية يعتبرون ممثلين لدولهم فيما يتعلق بكل التصرفات المتصلة بالتوقيع على المعاهدة وارتضاء الالتزام بها وبناءاً على ذلك فهم غير مطالبين بتقديم وثائق تفويض لهذه الاغراض([xxxv])، اضافة الى انه يستثنى من اوراق التفويض رئيس البعثة الدبلوماسية المعتمدة لدى الدولة التي يتم التفاوض مع ممثليها، او رئيس البعثة الدائمة لدى احدى المنظمات الدولية بالنسبة للتفاوض مع المنظمة ذاتها، ففي هذه الحالات لا يحتاج الامر لأوراق تفويض لكونهم يتمتعون بحكم المنصب بصلاحية التفاوض([xxxvi])، وليس التفويض تخويل المفوض بتمثيل الدولة التي يتفاوض ويوقع نيابة عنها فحسب، فهو ايضاً ضمان للطرف الاخر من المعاهدة بان الشخص الذي تتعامل معه هو مفوض من دولته([xxxvii]).
اما في العراق فيستثنى من وثيقة التفويض (التخويل بالتوقيع كما يسميها القانون العراقي)، رئيس الوزراء وفقاً للمادة 80 الفقرة سادساً من الدستور العراقي النافذ باعتباره رئيساً للوزراء، ولكنه يحتاج الى استصدار وثيقة التخويل بالتوقيع عند توقيعه على اي اتفاقية او معاهدة باسم جمهورية العراق بصفته وزيراً بالوكالة او رئيساً لجهة غير مرتبطة بوزارة بالوكالة وليس بصفته رئيساً للوزراء، كما يستلزم حصول رئيس الجمهورية ونوابه ونواب رئيس الوزراء ووزير الخارجية على وثيقة التفويض عند التوقيع على اي اتفاقية او معاهدة باسم جمهورية العراق اذ ان العراق لم ينضم الى الان لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 التي تعفي رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية في المادة السابعة الفقرة الثانية من ابراز وثائق التفويض عند اجراء اي تصرف يتعلق باتفاقية دولية، كما ان نص الفقرتين الاولى والثانية من المادة الخامسة من قانون عقد المعاهدات العراقي النافذ قد الغيت حكماً بالمادة 80 الفقرة سادساً من الدستور العراقي النافذ([xxxviii]).
ثانياً: التطبيق العملي لمراحل ابرام المعاهدات في العراق
تمر المعاهدة او الاتفاقية بمراحل عدة لتدخل حيز التنفيذ، وتختلف هذه المراحل باختلاف الجهة الموقعة عليها (فيما اذا كانت الحكومة العراقية من جهة او وزارة عراقية او جهة غير مرتبطة بوزارة من جهة اخرى) دون الاخذ بنظر الاعتبار موضوع الاتفاقية فيما اذا كانت اقتصادية او عسكرية او صحية.. الخ. ويمكن تقسيم هذه المراحل، وفقاً للتطبيق العملي لقانون عقد المعاهدات العراقي رقم 111 لسنة 1979 واعمامات الامانة العامة لمجلس الوزراء، وتعليمات وزارة الخارجية بهذا الشأن، على النحو التالي:
3.بعد الاتفاق على صيغة مشروع نهائي للاتفاقية او المعاهدة مع الجهة الاجنبية (والتي تعقد بين وزارتين وليس بين حكومتين) تفاتح الجهة ذات العلاقة الامانة العامة لمجلس الوزراء لغرض الحصول على الموافقة عليها وذلك بعد استمزاج راي الوزارة والجهات العراقية الاخرى ذات العلاقة بالموضوع كوزارة المالية مثلاً في حالة وجود التزامات معينة تتعلق بإعفاء من ضرائب او رسوم معينة، وبعد حصول موافقة الامانة العامة لمجلس الوزراء بشأن ذلك يستطيع الوزير او رئيس الجهة الغير مرتبطة بوزارة التفاوض على الاتفاقية او المعاهدة دون الحاجة الى استصدار وثيقة تخويل من لدن دولة رئيس الوزراء طالما ان التوقيع سيكون باسم الوزارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة وليس باسم الحكومة العراقية ويكون التوقيع على هذه الاتفاقية او المعاهدة (حاله حال التوقيع على الاتفاقيات او مذكرات التفاهم التي تعقد باسم حكومة جمهورية العراق) بحضور ممثل عن وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية حصراً([xli]).
4.في حالة الرغبة بعقد الاتفاقية او المعاهدة باسم جمهورية العراق يتم ارسال نسخة المشروع التي تم التفاوض عليها مع الجهة الاجنبية المعنية الى الامانة العامة لمجلس الوزراء وذلك بعد استحصال الموافقة الاولية من الامانة العامة قبل التفاوض([xlii])، وكذلك يجب ان يتم عرضها على الوزارات العراقية والجهات غير المرتبطة بوزارة المعنية لبيان رايها بشأنها وتقوم الامانة العامة لمجلس الوزراء في حالة الاقتناع بجدوى الاتفاقية والخطوط العامة التي تم الاتفاق عليها مع الجانب الاخر بعرض مشروع الاتفاقية على وزارة العدل/ مجلس شورى الدولة وذلك تنفيذا لأحكام قانون المجلس رقم (65) لسنة 1979 المعدل لغرض استصدار مشورة قانونية من المجلس بشأنه حيث يقوم المجلس بتدقيق الجوانب الشكلية والموضوعية لمشروع الاتفاقية او المعاهدة واستمزاج ملاحظات الجهات العراقية المعنية ويبين الراي بشأنها من خلال الملاحظات التي ترد في المشورة القانونية الخاصة بها مع ملاحظة ان عرض مشاريع الاتفاقيات على وزارة العدل/ مجلس شورى الدولة لبيان رايه فيها يشمل (فقط) تلك التي ستعقد بين جمهورية العراق وحكومات الدول الاخرى او المنظمات الدولية (ولا يشمل) ما سيعقد بين وزارة او جهة غير مرتبطة بوزارة عراقية ونظيرتها او نظيراتها الاجنبية حيث لا يتم عرض مشروع الاتفاقية على مجلس شورى الدولة في هذه الحالة، وتدخل الاتفاقية الموقعة بين وزارتين حيز التنفيذ من تاريخ التوقيع عليها على ان يتم ايداع النسخة الاصلية الموقعة لدى وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية وترسل نسخة موقعة بكل اللغات التي تم الاتفاق عليها كلغات تحرير الاتفاقية الى الامانة العامة لمجلس الوزراء وبهذا تدخل الاتفاقية المعقودة بين وزارة عراقية ونظيرتها الاجنبية حيز التنفيذ([xliii]).
5.بالنسبة للاتفاقية التي تعقد باسم حكومة جمهورية العراق وبعد وصول المشورة القانونية من وزارة العدل / مجلس شورى الدولة الى الامانة العامة لمجلس الوزراء بشأنها فان الامانة العامة غالباً ما تأخذ بأغلب هذه الملاحظات ولا تلزم بأخذ جميع الملاحظات اذ ان راي مجلس شورى الدولة هو راي استشاري وليس الزامي وبعد ذلك يدرج مجلس الوزراء مشروع الاتفاقية بصيغتها المعدلة وفقاً لملاحظات مجلس شورى الدولة وقناعات المجلس على جدول اعمال جلساته لغرض مناقشتها والموافقة عليها. بعد ذلك يصدر مجلس الوزراء قراراً بقبول مسودة الاتفاقية وتوجيهاً لوزارة الخارجية بإعداد وثيقة التخويل للوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة للتوقيع على الاتفاقية مدار البحث باسم حكومة جمهورية العراق مع من تخوله الجهة الاخرى للتوقيع عليها.
6.تقوم وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية بإعداد وثيقة التخويل بالتوقيع (وثيقة التفويض) ويوقع عليها وزير الخارجية وترسل الى الامانة العامة لمجلس الوزراء لاستحصال توقيع رئيس الوزراء عليها، وبعد التوقيع تعاد الى وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية لتقوم بدورها بإرسالها الى الوزير المعني الذي سيقوم بالتوقيع على الاتفاقية مع ضرورة تأكيد استلام هذه الوثيقة من قبل الجهة المعنية بالاستلام في الوزارة التي سيقوم وزيرها بالتوقيع على الاتفاقية وليتسنى لوزارة الخارجية تسمية مرشحها لحضور التوقيع وليتسنى لها ايضاً مفاتحة الجهة الاجنبية ذات العلاقة من خلال القنوات الدبلوماسية لتحديد زمان ومكان التوقيع على الاتفاقية وترسل في نفس الوقت الصيغة النهائية للاتفاقية الى تلك الجهة لتوحيد النصوص لدى الجانبين، وتحتفظ وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية بنسخة من وثيقة التخويل بالتوقيع([xliv]).
7.عند تحديد موعد ومكان التوقيع بالتنسيق بين الطرفين (الاطراف) تقوم وزارة الخارجية بإشعار الوزارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة ذات العلاقة لتحديد موعد السفر لأجل التوقيع او موعد التوقيع داخل العراق والمكان الذي يتم فيه التوقيع ولكي تقوم الوزارة المعنية بتهيئة عدد كاف من النسخ للتوقيع وباللغات التي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.
واخيراً فان اتباع السياقات القانونية الصحيحة في عقد الاتفاقيات والمعاهدات وفقاً للآلية الدستورية وقانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، تجنباً من مسألة التعارض بين القانون الدولي والقانون العراقي الداخلي، يضفي الى احترام العراق لالتزاماته الدولية.
وان الدور الذي تضطلع به وزارة الخارجية هو دور حيوي في متابعة المعاهدات والاتفاقيات لذلك تنسب اشراك موظف من الدائرة القانونية قسم المعاهدات ضمن الوفد المكلف بالتفاوض، وحصل خروقات كثيرة ادت الى اعتبار الاتفاقيات والمعاهدات غير نافذة تجاه الحكومة العراقية ولا ترتب عليها اي التزامات قانونية من ذلك قيام وفد برئاسة السيد وكيل وزارة النقل بزيارة ايران للفترة من 19- 22/1/2012، والتوقيع على محضر اجتماع وثلاث مذكرات تفاهم في مجالات النقل البحري والجوي والسكك الحديد دون علم او اشراك ممثل عن الدائرة القانونية في وزارة الخارجية العراقية، وقبل التشاور مع الامانة العامة لمجلس الوزراء وتزويدها بمشروع مذكرة التفاهم([lii]).
المطلب الثاني: تصديق المعاهدة الدولية
يعد التصديق اجراء قانوني مهم ومسألة في غاية الخطورة فقد وقع العراق في اشكالية قرار مجلس الامن عام 1990، عندما ادعى العراق بان اتفاقية الحدود الموقعة في بغداد مع الكويت في 4 اكتوبر من عام 1963، لم يتم التصديق عليها، ولم يوافق مجلس الامن على موقف العراق من الاتفاقية على اعتبار ان الاتفاقية لم تنص على التصديق وقد تم تسجيلها في الامم المتحدة بمجرد التوقيع عليها([liii]).
وبالرجوع الى قانون عقد المعاهدات النافذ رقم 111 لسنة 1979، نجد ان التصديق على المعاهدة الدولية يأتي بموجب احكام الفقرة الثانية من المادة الثالثة اذ نصت على ان (الاجراءات القانونية التي يثبت بموجبها مجلس قيادة الثورة في جمهورية العراق على الصعيد الدولي موافقته النهائية على الالتزام بمعاهدة سبق التوقيع عليها عن جمهورية العراق او حكومته او سبق اقرارها من منظمة دولية او مؤتمر دولي)([liv]) اي ان التصديق هو من اختصاص مجلس قيادة الثورة المنحل، بينما يقر الدستور العراقي لعام 2005 في المادة 61/رابعاً بان (تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب)([lv])، وبعد موافقة مجلس النواب، يتولى رئيس الجمهورية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بموجب المادة 73/ثانياً من الدستور العراقي لعام 2005([lvi]). وان لمجلس النواب في الدستور العراقي النافذ سلطة تقديرية مطلقة في التصديق من عدمه، ولعل المبرر لذلك هو اعتبار مجلس النواب ممثل الشعب الذي انتخبه ويجب ان يعبر عن مصالحه عند التصديق من عدمه على المعاهدات الدولية ولذلك فان عملية التصديق على المعاهدة تتطلب اصدار قانون من قبل مجلس النواب يوافق عليه ثلثي عدد اعضائه ثم يصار الى نشره في الجريدة الرسمية وذلك حتى يمكن القول بنفاذ المعاهدة داخل الدولة([lvii]).
من ذلك يتبين ان الدستور العراقي لسنة 2005 قد تبنى الية التصديق المجتمعة حيث تتم المصادقة على المعاهدات الدولية باتفاق السلطة التشريعية ورئيس الدولة، كما جاء في نص المادة 61/ رابعاً من الدستور الانفة الذكر، والمادة 73/ ثانياً من الدستور التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية (يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية:… ثانياً: المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بعد موافقة مجلس النواب، وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها)، ومن استعراض هذين النصين يبدو ان مجلس النواب يضطلع بالدور الفعلي بعملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وليس لرئيس الجمهورية في ذلك سوى دور شكلي بروتوكولي، بدليل ان المادة 73 من الدستور تفترض المصادقة على المعاهدة من قبل رئيس الجمهورية بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ احالتها عليه وما يؤكد ما نذهب اليه ان المادة 88 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على ان لجنة العلاقات الخارجية (تختص هذه اللجنة بما يأتي:… رابعاً: دراسة الاتفاقات والمعاهدات السياسية بالتعاون مع اللجنة القانونية)، كما تنص المادة 127 من نفس النظام على ان (تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب)، ويبدو ان نص المادة 88 من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي وكأنه متعارض في صياغته وفحواه مع نص المادتين 61/ رابعاً من الدستور والمادة 127 من النظام الداخلي لمجلس النواب، حيث حددت المادة 88 من النظام الداخلي اختصاص لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بدراسة الاتفاقيات والمعاهدات السياسية الدولية، في الوقت الذي ذهبت اليه المادة 61/ رابعاً من الدستور والمادة 127 من النظام الداخلي الى ان مجلس النواب يختص بالمصادقة على جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية دون تحديد نوعها، ومن المؤكد ان لا مجال هنا لأعمال قاعدة الخاص يقيد العام ولكن اعمال التدرج القانوني التي تقضي بالضرورة تغليب النص الدستوري على ما سواه من النصوص، وبالتالي فان مجلس النواب يختص بالمصادقة على جميع المعاهدات السياسية منها وغير السياسية([lviii])، وهو بدوره يمارس الالتزام النهائي بالمعاهدات الدولية من خلال اما المصادقة على المعاهدات الدولية او رفضها، ففي حالة المصادقة عليها لابد ان يكون ذلك بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضائه، والا فان امتناع المصادقة من شأنه ان ينهي او يعدل المعاهدة، وقد سبق وان امتنع مجلس النواب عن الموافقة على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقع عليها مع تركيا في 23/3/2009، بسبب عدم النص فيها على حصة مائية للعراق في مياه دجلة والفرات استناداً الى الاعلان الاستراتيجي الموقع عليه بين العراق وتركيا في 10/7/2008([lix]).
ان القانون الدولي العام لم يبين الوسائل او الطرق والاساليب التي يتم بها دمج قواعده داخل النظم القانونية الداخلية لكل دولة وذلك لان القانون الدولي لا يحدد الا الاثار المترتبة على ابرام المعاهدات الدولية دولياً، أي فيما بين الدول، من دون ان يحدد الاثار التي تترتب على ابرامها داخل الدولة، لان هذه المسألة متروكة لمحض ارادة وحرية كل دولة بحيث تختار الاسلوب المناسب لإدخال المعاهدة في بنائها القانوني الداخلي وحسب احكام الدستور الخاص بها، رغم ذلك فان تنفيذ او تطبيق المعاهدات داخل الدولة قد يؤدي احياناً الى حصول تعارض بين المعاهدة وبين احكام تشريعاتها الداخلية، وفي سياق البحث بهذا الموضوع لابد من تناول نفاذ المعاهدات الدولية وفق النظام القانوني في العراق ومن ثم حل التنازع بين المعاهدات الدولية والقانون الداخلي العراقيكل في مطلب مستقل.
المطلب الاول: نفاذ المعاهدات الدولية وفق النظام القانوني في العراق
جرى العرف الدولي على ان بعض المعاهدات لا تصبح نافذة او سارية في مواجهة اطرافها بمجرد التوقيع عليها من قبل ممثل الدولة وانما يلزم لنفاذها وسريان مفعولها القيام بإجراء لاحق من طبيعة وطنية او داخلية هو التصديق، ومن ثم النشر،واذا كان الدستور العراقي يثير اشكاليات وتساؤلات عديدة، فان الاشكالية الكبرى التي يثيرها تكمن في عدم تحديده لآلية معينة لنفاذ المعاهدات في النظام القانوني الداخلي، وفي جميع الاحوال يجب نشر المعاهدة في الجريدة الرسمية.
ان الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 لا يشير لا في المادة 61/رابعا ولا في المادة 80/سادساالى كيفية نفاذ المعاهدة ولا طريقة تنفيذها في القانون العراقي، مخالفاً بذلك معظم دساتير الدول التي تتضمن نصوصاً واضحة بهذا الشأن، ونظراً لغياب النصوص الدستورية المتعلقة بكيفية نفاذ المعاهدات في العراق ، وعدم قيام مجلس النواب بسن قانون بأغلبية ثلثي اعضائه لينظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية استناداً الى الفقرة الرابعة من المادة 61 من الدستور، عليه سيتم الرجوع لقانون عقد المعاهدات العراقي رقم 111 لسنة 1979، الذي يعد نافذاً وبإمكان مجلس النواب الموافقة على المعاهدات والاتفاقيات وفقاً لأحكامه حسبما اقرت ذلك المحكمة الاتحادية العليا في قرارها بتاريخ 24/11/2008([lx]).
خصص قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979 اكثر من مادة لنفاذ المعاهدات في القانون الدولي من دون الاشارة الى كيفية ادخالها في القانون العراقي، ولكن من الناحية العملية فان المعاهدات الثنائية او متعددة الاطراف التي يبرمها العراق تدخل حيز النفاذ في القانون الدولي بصدور قانون التصديق او الانضمام بعد نشره في الجريدة الرسمية، فاذا كان التصديق هو اجراء لازم في مرحلة ابرام المعاهدات الدولية حتى تصبح المعاهدة ملزمة على النطاق الدولي، فان النشر في الجريدة الرسمية هو اجراء داخلي لازم لاكتساب المعاهدة قوة القانون الداخلي النافذ، لانه هو الذي يكفل ضمان اتصال علم الافراد والسلطات بالقاعدة القانونية الاتفاقية في النطاق الوطني، وان نشر المعاهدات الدولية يشكل بالإضافة لكونه وسيلة تمكن المحاكم من تدقيق مدى قيام السلطات المختلفة بإبرام المعاهدات باحترام القواعد والمتطلبات الدستورية، فانه شرط لحجية المعاهدات ويسمح بوضع النظام القانوني للمعاهدات ضمن مصادر القانون الداخلي، وان الرقابة على احترام القواعد الدستورية الداخلية متاحة بسهولة لرجوع القاضي الى الجريدة الرسمية للدولة، حيث توجد جميع المعلومات الضرورية مخزونة فيها، كالتوقيع والمصادقة او الموافقة، وقانون الاجازة بالتصديق او الموافقة، وتاريخ دخول الاتفاق المثار امام المحكمة حيز النفاذ حيث انه يلعب مرسوم النشر دور المعيار الدائم لرقابة القاضي، ولذلك نص الدستور العراقي لسنة 2005 في المادة 129 منه على انه (تنشر القوانين في الجريدة الرسمية، ويعمل بها من تاريخ نشرها، ما لم ينص على خلاف ذلك)، واشترطت المادة 34 من قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، على ضرورة نشر المعاهدة مع قانون تصديقها او الانضمام اليها في الجريد الرسمية، والجريد الرسمية في العراق هي جريدة الوقائع العراقية([lxi]).
اذاً فنشر المعاهدة في جريدة الوقائع العراقية هو اجراء جوهري ولازم ويجسد ادراجها في النظام القانوني العراقي، فاذا لم يتم نشر المعاهدة فانه يكون قد تخلف شرط من الشروط التي تجعلها صحيحة قانوناً وبالتالي تكون المحاكم غير ملزمة بتطبيق هذه المعاهدات، لعدم علم الافراد بها من جهة، ولتخلف شرط من شروط اسباغ صفة القانون على احكامها من جهة اخرى، وعلى الرغم من ان المشرع العراقي قد اصدر قانون النشر في الجريدة الرسمية رقم 78 لسنة 1977، وتطلبت الفقرة الاولى من المادة الثالثة منه على ضرورة نشر المعاهدات والاتفاقيات الدولية وما يلحق بها من قوانين تصديقها في الوقائع العراقية، الا انه وبالاطلاع على سلسلة المعاهدات والاتفاقيات التي ابرمها العراق وصادق عليها بقانون، نجد ان الجهات التنفيذية المختصة ومنذ فترة طويلة ولا تزال لم تقم بنشر العديد منها، بل اكتفت بنشر قانون التصديق او الانضمام بدون نص المعاهدة، حيث ان نسبة المعاهدات التي قامت بنشرها في الفترة ما بين 1977 الى عام 2007 بلغت 27.7% فقط أي ان 72.3% من نصوص المعاهدات والاتفاقيات ما زالت غير منشورة، وبالتالي غير نافذة في النظام القانوني الداخلي العراقي، الامر الذي يؤدي الى عدم تمكن الافراد من التعرف على حقوقهم وحرمانهم من اللجوء الى المحاكم للمطالبة بها او الاحتجاج بها في حالة الاعتداء على حقوقهم وحرياتهم اذا ما تعلقت المعاهدة بحقوق وحريات الانسان([lxii]).
وخلاصة الموضوعان الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 لم يعالج مشكلة كيفية نفاذ المعاهدات في النظام القانوني الداخلي، مما يخلق المشاكل والصعوبات بشأن امكانية تطبيق المعاهدات من جانب المحاكم ولاسيما تلك المتعلقة بحقوق وحريات الافراد.
ومما سبق تبين لنا ان ما يجري عليه العمل في العراق هو ان المعاهدة المبرمة وفقاً للمتطلبات الدستورية وبعد ان يتم التصديق عليها بقانون التصديق او الانضمام من قبل مجلس النواب، وبعد ان يتم نشر تلك المعاهدة مع قانون تصديقها او الانضمام اليها في جريدة الوقائع العراقية استناداً الى المادة 34 من قانون عقد المعاهدات العراقي لسنة 1979 وتعديلاته تصبح نافذة داخل العراق وتكتسب قوة القوانين العادية، اذن فكيف سيحل التنازع بين المعاهدة والقوانين العادية؟.
المطلب الثاني: حل التنازع بين المعاهدات الدولية والقانون الداخلي العراقي
بما ان المعاهدة الدولية بعد المصادقة عليها من قبل الدولة العراقية ونشرها في الجريدة الرسمية تعتبر بمنزلة القانون الداخلي وتكون نافذة حسب ما اشارت اليه المادة 129 من الدستور العراقي لسنة 2005، وتعتبر ملزمة للأفراد والدولة بجميع سلطاتها الا انه قد يحصل تنازع ما بين نصوص المعاهدة ونصوص اخرى من قانون داخلي عند تطبيق احكام المعاهدة من قبل القاضي، فقد تنظم المعاهدة حالة لم يسبق للقانون الداخلي تنظيمها، وقد تعنى بتنظيم حالات سبق وان نظمها القانون العراقي، وقد تتفق احكام المعاهدة مع احكام القانون الداخلي وقد يكون بين احكام كل منهما تناقض او تعارض، وحل هذا التنازع من قبل القاضي يتوقف على وجود نص صريح يقضي بتغليب المعاهدات على القانون الداخلي او انعدامه.
اولاً: في حالة وجود نص صريح يقضي بأفضلية المعاهدة على التشريع الداخلي: حينها يطبق القاضي احكام المعاهدة ويهمل النص التشريعي الداخلي، وهذا ما ذهب اليه قانون اعادة المجرمين رقم 31 لسنة 1923 حيث نصت المادة 16 (لا يؤثر هذا القانون في احكام المعاهدات والاتفاقيات التي تعقد لإعادة المجرمين وتعتبر احكام هذا القانون معدلة على مقتضاه)([lxiii])، كما اكدت المادة 29 من القانون المدني على حكم عام يسري في جميع الاحوال التي يتعارض فيها نص مع معاهدة دولية حيث تنص المادة 29 على (لا تطبق احكام المواد السابقة اذا وجد نص على خلافها في قانون خاص او معاهدة دولية نافذة في العراق).
ثانياً: في حالة عدم وجود نص صريح ففي هذه الحالة يفرق الفقه فيما اذا كانت المعاهدة سابقة ام لاحقة على القانون الداخلي، في الحالة الاولى فان القاضي يميز بين حالتين: حالة السكوت او غموض التشريع اللاحق على المعاهدة من حيث موقفه من المعاهدة، وحالة ثبوت نية المشرع بوضوح وصراحة في مخالفة بنود المعاهدة السابقة، ففي حالة السكوت يفترض القاضي ان المشرع لم يقصد مخالفة المعاهدة السابقة، بل انه اراد ضمناً الاحتفاظ بها وتطبيقها الى جانب تطبيق احكام التشريع اللاحق ومن ثم يسعى القاضي للتوفيق بين المعاهدة والتشريع اللاحق، ويحقق القاضي ذلك على اساس ان كل تشريع يتنازع مع معاهدة سابقة انما يترك مجالاً لأعمالها ووسيلة هذه الاعمال هي استثناء الحالة التي يمكن فيها تطبيق المعاهدة من حكم التشريع اللاحق، فالمعاهدة تعقد بين العراق ودول بعينها وعليه يفترض القاضي ان المقصود من التشريع اللاحق الذي يتعارض مع المعاهدة هو تطبيقه على الاجانب ممن لا تكون بلادهم طرفاً في تلك المعاهدة.
اما في حالة وضوح نية المشرع في مخالفة احكام المعاهدة السابقة، فيتعذر على القاضي التوفيق بين المعاهدة والتشريع اللاحق فيضطر القاضي الى تطبيق التشريع اللاحق ويهمل احكام المعاهدة السابقة لان القاضي ملزم بأوامر مشرعه الواردة في التشريع اما المعاهدة فهي تلزم الدولة وهي من تتحمل تبعة المسؤولية الدولية المترتبة على الاخلال بالمعاهدة.
الحالة الثانية عندما تكون المعاهدة لاحقة على التشريع الداخلي، هنا لا يلقي القاضي اية صعوبة اذ يطبق نصوص المعاهدة ويهمل القانون الداخلي، وذلك بالاستناد الى المبدأ الذي يحكم تنازع القوانين من حيث الزمان، اي مبدأ نسخ القانون السابق بالقانون اللاحق([lxiv])، فالمعاهدة لا تطبق في العراق حتى تسن بقانون جديد ينال موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب ويصدق من رئيس الجمهورية وتنشر في الجريدة الرسمية، حسبما نصت المادة 129 من الدستور التي اوجبت نشر القوانين في الجريدة الرسمية لكي يعمل بها من تاريخ نشرها مالم ينص على خلاف ذلك، اذن فالمعاهدة تعتبر تشريعاً واجب التطبيق تنسخ وتلغي القانون القديم الذي يتعارض معها([lxv]).
لا تثير الرقابة القضائية على دستورية المعاهدات الاشكال والخلاف في البلدان التي نصت دساتيرها صراحة على ان للمعاهدة قيمة قانونية مساوية للقوانين او اعلى منها واسندت مهمة الرقابة لقضاء دستوري متخصص، وبخلاف الدساتير التي حددت القيمة القانونية للمعاهدة والجهة التي تتولى الرقابة عليها، نجد ان الدستور العراقي يثير الاشكال بشأن تحديد اعلوية اي من القانونين، القانون الداخلي (الدستور والتشريع)، ام القانون الدولي متمثلاً بالمعاهدة، وما يفاقم حجم هذا الاشكال تردد القضاء في الاجتهاد في المسائل الخلافية او التي لم يحسمها المشرع بنص صريح، كما يثار الاشكال الاخر في الدساتير الجامدة ومنها الدستور العراقي بشأن القضاء المختص برقابة دستورية المعاهدات الدولية فهل يتحدد بقمة الهرم القضائي (المحكمة العليا، النقض، التمييز) ام للمحاكم جميعاً بمختلف درجاتها ممارسة هذا الاختصاص باعتبارها الحارس الامين على الشرعية الدستورية والقانونية كما في الولايات المتحدة الامريكية.
وفي ظل هذه الاشكالات يفسح الباب واسعاً للاجتهاد والاختلاف الفقهي بشأن اعلوية القانون الداخلي ام الدولي، ومن له الحق في ممارسة الرقابة على المعاهدات، هل تتحدد هذه الصلاحية بقمة الهرم القضائي ام للقاعدة ممارستها؟ هل يقتصر الطعن على مؤسسات الدولة الدستورية ام للشعب مثل هذا الاختصاص وهل تكون الرقابة سابقة على تصديق المعاهدة ام لاحقة لها؟ وهل يجرأ القاضي على توجيه الامر للسلطة التنفيذية للمثول امام السلطة المختصة بالتصديق اذا لم تتبع الاجراءات الدستورية في عقد المعاهدة؟.
ويرى البعض ونحن معهم في هذا الراي ان القضاء في الدول العربية بشكل عام لا يمكنه الفصل في مسألة لم ينطها به الدستور او القانون صراحة، خشية من اتهامه بالمخالفة، ومن المؤكد ان لهذه المخاوف ما يبررها في ظل غياب الحصانة القضائية بل ان القضاء الوطني في الدول العربية وهو بصدد تطبيقه احكام المعاهدة الدولية على النزاع المعروض عليه غالباً ما لا يجرأ على توجيه الامر للسلطة التنفيذية لاستيفاء اجراءات المصادقة على المعاهدة اذا ما وقف على مخالفة بشأن هذه الاجراءات، لان مثل هذا الامر قد يفسر على انه تدخل في عمل السلطة التنفيذية ومخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات لاسيما وانه سينتهي بالضرورة الى تعطيل تطبيق احكام المعاهدة، وبافتراض ان القضاء في الدول العربية ومنها العراق قد مارس دوره المفترض في حماية الدستور واعلويته، فقد يثار الاشكال بشأن المصلحة المعتبرة في الطعن، فهل يتم الطعن بناءاً على مصلحة ذاتية شخصية ام يشترط ان تمس المعاهدة مصلحة عامة (دعوة موضوعية)؟ وهل ستكون الرقابة سابقة على تصديق المعاهدة ام لاحقة لها؟ ولكل ميزاتها ومأخذها، فالرقابة الوقائية السابقة تقتضي بالضرورة عدم وضع اي تعهد دولي موضع التنفيذ قبل التحقق من عدم مخالفته للدستور، بخلاف الرقابة العلاجية اللاحقة حيث تخلق الريبة لدى شركاء الدولة في المعاهدة اذا ما علمنا ان اساس العلاقات الدولية يقوم على الثقة والوفاء بالالتزامات، وبالمقابل قد توصف الرقابة السابقة بالمتسرعة او غير المتأنية حيث تعتمد النصوص كما هي، في الوقت الذي قد تبرز فيه ايجابيات النص وسلبياته ومدى مطابقته للدستور الا بعد تطبيقه فالأخير قد يعطي معنى مختلف للنص التشريعي، وفي معرض ترجيح كفة احدى الرقابتين على الاخرى، نرى المبرر الاقوى لترجيح كفة الرقابة الوقائية على العلاجية انها تضع حدا لسجال داخلي ودولي قد يطول وقد تنتهي اثاره الى المساس بسمعة الدولة والثقة بها، وبقاء هذا الاشكال لترجيح اي الرقابتين الوقائية ام العلاجية قائماً دون حل سينتهي بالضرورة الى اثارة اشكال اخر بشأن تحديد من له الحق في الطعن امام القضاء، فهل سيمنح للأفراد اضافة الى الجهات الرسمية وهو امر يقتضي بالضرورة ان تكون الرقابة علاجية لاحقة ام تنفرد السلطة الرسمية به دون الافراد؟([lxvi]).
وفي ذلك سنتناول مطلبين في هذا المبحث، يعالج المطلب الاول مكانة المعاهدة وقيمتها القانونية في العراق، فيما يختص المطلب الثاني برقابة القضاء على دستورية المعاهدات الدولية في العراق وتكوين المحكمة الاتحادية العليا التي تسند اليها مهمة الرقابة على دستورية القوانين.
المطلب الاول: مكانة المعاهدة في النظام القانوني للعراق
في اطار الدساتير الجامدة لامعنى للبحث في الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية قبل البحث في القيمة القانونية للمعاهدة، والواضح ان العراق من الدول التي لم تحدد القيمة القانونية للمعاهدة الدولية وان تبنى قضاءاً دستورياً مستقلاً وفق دستور عام 2005،فالدستور العراقي النافذ لسنة 2005، وقانون عقد المعاهدات العراقي رقم 111 لسنة 1979 وتعديلاته، سكتا عن تحديد مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني العراقي، والتزما جانب الصمت ازائها، وحتى المادة الثامنة من الدستور العراقي لسنة 2005، التي نصت على (يراعى العراق مبدأ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على اساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية)، فإنها عبارة عامة وغامضة جداً، وعرضة لتفسيرات مختلفة، ويرى بعض الاختصاص ان هذه الصياغات او العبارات العامة التي يستخدمها الدستور العراقي لا يمكن اعتبارها اقراراً لسمو القانون الدولي ومن ضمنها المعاهدات الدولية على القانون الداخلي([lxvii])، ولا شك ان خلو الدستور العراقي النافذ من بيان مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني العراقي، يؤدي ذلك الى ظهور مشكلة التنازع بين المعاهدة المبرمة او التي سيبرمها العراق وبين القوانين الداخلية، حيث اغفل الدستور العراقي كلية التعرض الى مشكلة العلاقة بين القانون العراقي والقانون الدولي، فلم يتعرض الدستور ولا قانون عقد المعاهدات العراقي رقم 111 لسنة 1979 الى مسألة التناقض بين المعاهدات التي تبرمها الدولة والقوانين الداخلية، ولا يوجد في قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 ما يشير الى التعارض بين القانون الدولي والداخلي([lxviii]).
وفي هذه الحالة فان احكام المعاهدة لا تتفوق على احكام القانون الداخلي المتعارضة معها سواءً كان هذا القانون سابقاً ام لاحقاً لها، وبما ان كل معاهدة في العراق يتم التصديق عليها بقانون تصديق او انضمام طبقاً للأحكام المنصوص عليها في الدستور وقانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979 وما جرى عليه العمل في العراق، فان نشر المعاهدة مع قانون تصديقها في جريدة الوقائع العراقية يجعلها تعامل معاملة القانون، وهذا يعني امكانية تعديل او الغاء معاهدة دولية تمت المصادقة عليها بقانون لاحق.
المطلب الثاني: الرقابة القضائية على دستورية المعاهدات الدولية في العراق
إن انتقال العراق في ظل دستور عام 2005 من دولة بسيطة إلى دولة اتحادية, وانتقال نظام الحكم من النظام الرئاسي إلى البرلماني واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات والتأكيد على احترام الحقوق والحريات الأساسية سواء في وثيقة قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية أو في وثيقة الدستور الحالي, كذلك النص على مبدأ استقلالية السلطة القضائية والضمانات التي يتمتع بها القضاة من خلال إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وجعله مستقل عن وزارة العدل, وعدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في استقلال القضاء, وحفاظا على صيانة الوثيقة الدستورية كان لابد من إنشاء محكمة عليا للحفاظ على سيادة القانون وتحقيق العدالة، فأراد المشرع الدستوري أن يوضح معالم الدولة القانونية الجديدة من خلال النص على إنشاء محكمة اتحادية عليا تختص بالرقابة على دستورية القوانين إلى جانب اختصاصات أخرى مهمة. فهل لهذا القضاء فرض الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية؟ وهل يستطيع القضاءالفصل والاجتهاد بما لم ينص عليه الدستور او القانون؟.
تكوين المحكمة الاتحادية العليا
اُنشات المحكمة الاتحادية العليا، وفق الدستور العراقي لسنة 2005، حيث نص الدستور في المادة 92 منه على ان المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً وادارياً، تتكون من عدد من القضاة، وخبراء في الفقه الاسلامي، وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب([lxix])، ولم يسن قانون جديد للمحكمة الى حد الان بيد ان القانون النافذ هو قانون المحكمة الاتحادية العليا بموجب الامر التشريعي رقم 30 لسنة 2005 الصادر خلال فترة نفاذ قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية([lxx]).
وتمارس المحكمة الاتحادية العليا الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، والمحكمة هنا تنظر في شرعية القوانين والأنظمة النافذة, وتكون رقابتها لاحقة ولا تنظر في مشروعات أو مقترحات القوانين قبل صدورها.
ولم يكن من بين اختصاصات المحكمة الاتحادية بموجب قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية, ولا في قانون المحكمة رقم 30 لسنة 2005 تفسير النصوص الدستورية, إلا أن الدستور الدائم في المادة 93/ ثانيا منه أضاف هذا الاختصاص إلى اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا, وحسنا فعل المشرع الدستوري عندما أضاف هذا الاختصاص إلى المحكمة وذلك تلافيا لما قد يحدث من جدل حول تفسير نصوص الدستور, إضافة إلى ما قد يحدث مستقبلا بشأن تنازع القوانين, وخير من يقوم بهذه المهمة المحكمة الاتحادية العليا، وعلى ضوء هذا البند الخاص بتفسير نصوص الدستور وبعد أن انتهى العمل بقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 يجب أن يعدّل قانون المحكمة وكذلك النظام الداخلي للمحكمة تماشيا مع ما قرره الدستور الدائم لعام 2005, وهنا تقع مهمة تعديل القانون أو سن قانون جديد على عاتق مجلس النواب استنادا إلى أحكام المادة 92/ ثانيا من الدستور, وبما أن الدستور لم يكشف من له الحق طلب التفسير فقد أخذت طلبات التفسير تصل إلى المحكمة الاتحادية العليا من السلطات الدستورية, التشريعية والتنفيذية والقضائية, والمحكمة تستند في تفسيرها لنصوص الدستور إلى أحكام المادة 93/ثانيا منه، ولابد لطلب التفسير من ضوابط تحدده بأن يكون النص المطلوب تفسيره قد أثار خلافا في التطبيق وان يكون ذا أهمية تستدعي تفسيره تفسيرا واحدا تحقيقا لوحدة تطبيقهولا يقتصر تفسير المحكمة الاتحادية العليا لنصوص الدستور فقط وإنما يتعدى ذلك إلى تفسير نصوص القانون العادي([lxxi])، وبما ان المعاهدة بعد تصديقها تنشر بقانون في الجريدة الرسمية فطبيعي ان تكون من بين النصوص الخاضعة لتفسير المحكمة الاتحادية، ومن ضمن اختصاصات المحكمة ايضاً، الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية، وكذلك المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الاقاليم او المحافظات، والبت في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب، والفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم([lxxii]).
ونقطة التقدم في اختصاص المحكمة انه يمكن لكل من مجلس الوزراء او ذوي الشأن وحتى الافراد حق الطعن المباشر لدى المحكمة في حال مخالفة القوانين ومن ضمنها المعاهدة لمضامين الدستور اي انه حتى لو لم يتم لهذه المعاهدة من تطبيق عملي فانه يمكن الطعن بها طالما قد شابها مخالفة لاحد نصوص الدستور([lxxiii]).
طرق الرقابة التي تمارسها المحكمة الاتحادية العليا
ان طرق واساليب الرقابة القضائية في الدول،هي أما أن تتم بطريقة الدفع الفرعي وهي رقابة الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور أو رقابة الدعوى المباشرة وتسمى أيضا الدعوى الأصلية أو (دعوى الإلغاء), أو بطريقة المزج بين الدعوى الأصلية المباشرة والدفع بعدم الدستورية ويتم الأسلوب الأخير بان يتقدم الأفراد بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام المحاكم, فان اقتنعت بجدية الطعن، تقدمت به إلى المحكمة الدستورية، وهذه الطريقة تفترض وجود دعوى يراد فيها تطبيق قانون معين فيدفع أحد الخصوم بعدم دستورية هذا القانون, وفي هذه الحالة لا تفصل المحكمة في صحة الدفع بل تؤجل النظر في الدعوى وتحيل الطعن في دستورية القانون إلى المحكمة الدستورية التي يكون لحكمها حجية مطلقة تجاه الكافة.
ويبدو ان الرقابة التي تمارسها المحكمة الاتحادية العليا في العراق تتمثل أولا: بأسلوب المزج بين طريقتي الدفع الفرعي والدعوى الأصلية:ويتم الطعن في دستورية القوانين حسب هذا الطريق بأسلوبين:
وهذا النص أعطى للمحاكم على اختلاف درجاتها أثناء نظرها دعوى مدنية أو جزائية, عندما تجد أن النص القانوني أو القرار أو التعليمات أو النظام واجب التطبيق على وقائع الدعوى مخالف للدستور فلها أن تطلب من تلقاء نفسها البت في شرعية النص وترسل طلبا معللا إلى المحكمة الاتحادية العليا غير خاضع للرسم, وهنا فان محكمة الموضوع لا تلغي النص وإنما تحيله إلى المحكمة الاتحادية العليا التي تقوم بدورها التحقق من دستورية أو عدم دستورية النص المحال إليها من محكمة الموضوع, والإلغاء يكون من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا دون غيرها.
نجد أن هذا النص جاء خاليا من تحديد مدة للخصم في رفع الدعوى هذا لان تحديد المدة يعطي رؤية للمحكمة للتحقق من أن رغبة الطاعن أمامها جدية وليس مجرد كسب الوقت أو إضاعته, وهنا يبدو الخلل في عدم تحديد مدة محددة وعليه يجب معالجة هذه المسألة.
هذا وتقرر المحكمة استئخار الدعوى التي تنظرها أصلا إلى حين البت من المحكمة الاتحادية العليا في دستورية القانون المراد تطبيقه من عدمه([lxxvi]).
ثانيا: طريقة الدعوى الاصلية (دعوى الإلغاء): الأسلوب الأخر الذي اتبعته المحكمة الاتحادية العليا للرقابة على دستورية القوانين هو طريق الدعوى الأصلية أو المباشرة, وهو ما يتبين من نص المادة الخامسة من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا حيث جاء في النص أنه ((إذا طلبت إحدى الجهات الرسمية بمناسبة منازعة قائمة بينها وبين جهة أخرى الفصل في قانون أو قرار تشريعي أو نظام أو تعليمات أو أمر فترسل الطلب بدعوى إلى المحكمة الاتحادية العليا معللا مع أسانيده وذلك بكتاب موقع من الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة)).
وهذه المادة تطرقت إلى المنازعات التي قد تنشأ بين جهة رسمية و جهة أخرى سواء أكانت تلك الجهة رسمية أو غير رسمية، ومن ثم فان إقامة الدعوى من تلك الجهة يفترض وجود منازعة قائمة وأن تقدم الأسباب بكتاب موقع من الوزير إذا كانت جهة رسمية مرتبطة بوزارة, أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة ويطلق على هذه الدعوى بالدعوى المباشرة أو دعوى الإلغاء.
وتستند المحكمة الاتحادية العليا في اختصاصها هذا إلى نص المادة (4/ ثانيا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30 لسنة 2005) التي نصت على ان ((الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة من أية جهة تملك حق إصدارها وإلغاء التي تتعارض منها مع أحكام قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية, ويكون ذلك بناءا على طلب من محكمة أو جهة رسمية أو من مدع بمصلحة))([lxxvii]).
ومن الجدير بالذكر أن هذا النص يسمح لكل مدع بمصلحة بما في ذلك الأفراد أن يرفعوا الدعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا للنظر بشرعية القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة من أية جهة تملك حق إصدارها وإلغاء التي تتعارض منها مع أحكام الدستور.
حجية الأحكام الدستورية
نص الدستور على إن أحكام المحكمة الاتحادية العليا في الدعوى الدستورية وقراراتها ملزمة لكافة سلطات الدولة كما ورد في المادة 94من دستور سنة 2005 التي نصت على أن((قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة)).
وهذا ما ذهبت إليه ايضاً المحكمة الاتحادية العليا في المادة (5/ ثانياً) من قانونها رقم 30 لسنة 2005 التي نصت على أنه((الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا باتة))([lxxviii]).
من ذلك نخلص الى ان المحكمة الاتحادية العليا هي واحدة من اهم الهيئات التي ستنظم عمل الدستور، من حيث تفسيره وحل المنازعات، واختصاصها بالرقابة على دستورية جميع القوانين والانظمة والتعليمات السارية المفعول بما في ذلك المعاهدات، حيث يترتب على مبدأ المساواة القانونية بين القانون العادي والمعاهدات الدولية المدمجة في النظام الداخلي نتيجة مفادها سمو القواعد الدستورية على القواعد الدولية الاتفاقية، حيث ووفقاً للمادة 13 من الدستور العراقي النافذ التي تقربعدم جواز سن قانون يتعارض مع الدستور طبقا للمبادئ العامة في القانون الدستوري، يعد الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويعد باطلاً كل نص قانوني اخر يتعارض معه، وهذا يعني ان المعاهدة التي يصدر بشأنها قانون تصديق او انضمام يمكن ان تكون عرضة للبطلان اذا كانت متعارضة مع الدستور دون الحاجة الى التعرض الى مسالة التعارض بين الدستور والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، لان الدستور العراقي ما من شأنه مواجهة التعارض بين الدستور والمعاهدة، وان المحكمة الاتحادية العليا لا تجد مناصاً من الحكم ببطلان هذه المعاهدة اذا ما طلب اليها ممارسة وظيفتها في الرقابة على دستورية القوانين استناداً الى المادة 93 من الدستور، وان ادى ذلك الى تحمل العراق للمسؤولية الدولية نتيجة انتهاكه لالتزاماته الدولية الناجمة عن تلك الاتفاقية او المعاهدة.
الخاتمة
نستخلص من كل ما سبقان موضوع الرقابة على المعاهدات الدولية يحتل اهمية بالغة، كونه يحمي قدسية واعلوية الدستور الذي يضع اساس الدولة القانوني، وان هذه الرقابة تأخذ اشكال واساليب حسب النظام القانوني والدستوري في كل دولة، وان العراق يخضعها للرقابة القضائية، رغم ان دستوره لسنة 2005 لم يعالج مسألة رقابة المعاهدات والاتفاقيات الدولية بشكل تام، اذان الدستور العراقي النافذ سكت عن تحديد مكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الداخلي، ولم تحظى المعاهدة بمكانة متميزة فيه، بل ولا تسمو حتى على القوانين العادية التي يسنها مجلس النواب وهذا خلافاً للمبدأ القاضي بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي.
كما ان الدستور العراقي لم يحدد القيمة القانونية للمعاهدة اصلاً، وبما ان هدف البحث يكمن بمعرفة القيمة القانونية للمعاهدة في العراق وميدان الرقابة الدستورية عليها وهذا ما بيناه في في الدراسة، وان لم نبلغ الغاية المثلى من دراستنا هذه لصعوبة موضوع البحث وقلة مراجعه، حيث كانت عملية تجميع المعلومات ليست بالسهولة المتصورة، لكن ذلك لا يعني عدم المساهمة مع من سبقنا في دراسة الموضوع، من ابداء بعض النتائج والتوصيات فمن خلال البحث في انعقاد المعاهدات الدولية والاطلاع على بعضها توصلنا الى النتائج التالية في التطبيق على حالة العراق:
التوصيات
الهوامش:
[i]) عبد الكريم علوان، القانون الدولي العام: المبادئ العامة، القانون الدولي المعاصر، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2007، ص259.
[ii]) راجع بشأن شروط المعاهدة: مطر حامد النيادي، قواعد المعاهدات الدولية في القانون الدولي العام، هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث، دار الكتب الوطنية، ابو ظبي، الامارات العربية المتحدة، 2011، ص17.
[iii]) عبد الكريم علوان، القانون الدولي العام، المصدر السابق، ص ص259-260.
[iv]) وهي اللجنة الخاصة بوضع قواعد اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، في تقريرها الذي قدمته عن اعمالها في الدورة الثمانية عشر التي عقدتها في الفترة 8 ايار الى 19 تموز 1966، انظر عبد الكريم علوان، القانون الدولي العام، المصدر السابق، ص259.
[v]) المصدر نفسه، ص260.
[vi]) عصام العطية، القانون الدولي العام، ط3، المكتبة القانونية، بغداد، 2010، ص111.
[vii]) انظر نص المادة 38 من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية، ميثاق الامم المتحدة والنظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية، مكتب الاعلام العام- نيويورك، 1982، ص113.
[viii]) مطر حامد النيادي، المصدر السابق، ص28.
[ix]) المادة الثامنة والثلاثون 1-أ من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية، ميثاق الامم المتحدة والنظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية، المصدر السابق، ص113.
[x]) مطر حامد النيادي، المصدر السابق، ص30.
[xi]) مطر حامد النيادي، المصدر السابق، ص30.
[xii]) المصدر نفسه، ص29.
[xiii]) المصدر نفسه، ص ص30-32.
[xiv]) مطر حامد النيادي، المصدر السابق، ص ص30-32.
[xv]) المصدر نفسه، ص32.
[xvi]) مطر حامد النيادي، المصدر السابق، ص ص33-39.
[xvii]) عصام العطية، المصدر السابق، ص104.
[xviii]) زهير المالكي، اشكالية الدستور العراقي وقانون عقد المعاهدات الدولية وتأثير ذلك على وضع العراق الدولي، الحوار المتمدن، في 8/ 5/ 2014، شبكة المعلومات الدولية، على الموقع الالكتروني:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=347615&nm=1
[xix]) نص المادة 116 من الدستور العراقي الدائم لسنة 2005.
[xx]) لقمان عمر حسين، مبدأ المشاركة في الدولة الفيدرالية: دراسة تحليلية مقارنة، منشورات زين الحقوقية، لبنان، مكتبة السنهوري، بغداد، 2011، ص329.
[xxi]) المادة الرابعة من قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، جريدة الوقائع العراقية، العدد 2731 في 17/9/ 1979، ص207.
[xxii]) المادة السابعة الفقرة 2 والفقرة 3 من قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، المصدر السابق، ص208.
[xxiii]) المادة الثامنة من قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، المصدر السابق، ص208
[xxiv]) المادة التاسعة والمادة العاشرة من قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، المصدر السابق، ص208.
[xxv]) المادة الحادية عشرة من قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، المصدر السابق، ص208.
[xxvi]) قانون رقم 60 لسنة 2012، قانون اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات والبرتوكول الملحق بها بين حكومة جمهورية العراق وحكومة جمهورية المانيا الاتحادية، جريدة الوقائع العراقية، العدد 4254، في 15 تشرين الاول 2012.
[xxvii]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، مسودة اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين حكومة جمهورية العراق وحكومة البرازيل الاتحادية.
[xxviii]) علي صادق ابو هيف، القانون الدولي العام، منشأة المعارف، الاسكندرية، دون سنة نشر، ص576.
4) Carle Zyemanic, The Vienna convention on the law of treaties, United Nations Audiovisual Library of International Law, United Nation, 2010.
[xxx]) احمد ابو الوفا، القانون الدولي والعلاقات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010، ص ص59-60.
[xxxi]) راجع المواد بالتفصيل: قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، المصدر السابق، ص ص206-209.
[xxxii]) نص المادة 28 من الباب السادس، من قانون عقد المعاهدات العراقي لسنة 1979، المنشور في جريدة الوقائع العراقية، العدد 2731 في 17/9/1979.
[xxxiii]) الفقرة السادسة من المادة 80 الباب الثالث، السلطة التنفيذية، مجلس الوزراء، الدستور العراقي لسنة 2005.
[xxxiv]) الفقرة الثانية من المادة 73، الباب الثالث، السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية، الدستور العراقي لسنة 2005.
[xxxv]) دليل المعاهدات، وثائق قسم المعاهدات التابع لمكتب الشؤون القانونية للجمعية العامة للأمم المتحدة، منشورات الامم المتحدة، 2001، ص58.
[xxxvi]) يراجع المادة السابعة من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969.
[xxxvii]) Sinclair. I, The Vienna convention on the law of Treaties, Manchester University press, Manchester, 1984, p.31.
[xxxviii]) تنص المادة الخامسة الفصل الثاني، التفويض، من قانون عقد المعاهدات العراقي لسنة 1979، على ان (1. رئيس الجمهورية العراقية ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة يمثلان الجمهورية العراقية بحكم منصبيهما دونما حاجة الى ابراز وثائق تفويض لغرض التفاوض في شأن عقد معاهدة،…2. يعد وزير الخارجية ممثلاً للجمهورية العراقية بحكم منصبه دونما حاجة الى ابراز وثائق تفويض لغرض التفاوض في شأن عقد معاهدة…).
[xxxix]) وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، الاعمام المرقم ق/2/1/11/ 5611 في 27/4/2006.
[xl]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، قسم المعاهدات.
[xli]) وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، الاعمام المرقم ق/2/4/11/23105/ في 22/ 6/ 2010.
[xlii]) وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، م/ التفاوض والتوقيع، المرقم ق/2/4/11/ 6398 في 19/2/2012.
[xliii]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، قسم المعاهدات.
[xliv]) المصدر نفسه.
[xlv]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، قسم المعاهدات الدولية.
[xlvi]) المصدر نفسه.
[xlvii]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، قسم المعاهدات الدولية.
[xlviii]) انظر: نص المادة الثانية والعشرون، الفقرات 1، 2، 3، 4، الفصل الثاني من الباب الرابع من قانون عقد المعاهدات العراقي رقم 111 لسنة 1979.
[xlix]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، قسم المعاهدات الدولية.
[l]) وثائق وزارة الخارجية العراقية / الدائرة القانونية، قسم المعاهدات الدولية.
) التصديق الناقص هو ان يعمد رئيس الدولة الى التصديق على المعاهدات الدولية دون الرجوع مسبقاً الى السلطة التشريعية واخذ موافقتها كما يشترط دستور الدولة، فالتصديق الناقص عمل غير مشروع وبالتالي فان الدولة لا تستطيع الادعاء ببطلان المعاهدة بدعوى ان التصديق الذي اجراه رئيسها غير مشروع اذ عندئذ لا تلومن الا نفسها، وخير تعويض يمكن ان يترتب على مسؤولية الدولة عن اعمال رئيسها هو ابقاء المعاهدة نافذة منتجة لأثارها، وقد ظهرت في ذلك اربع نظريات للمزيد انظر: عبد الكريم علوان، المصدر السابق، ص271، وكذلك انظر: عصام العطية، المصدر السابق، ص133 وما بعدها.
[lii]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، العدد 9 في 4/2/2012، استنادأً الى مذكرة السفارة العراقية في طهران المرقمة س/200 في 25/1/2012.
[liii]) انظر الفقرة أ /2 من قرار مجلس الامن رقم (687) لعام 1991 .
[liv]) نص المادة الثالثة الفقرة الثانية من قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، المصدر السابق، ص206.
[lv]) نص المادة 61/ رابعاً من الدستور العراقي لعام 2005.
[lvi]) راجع المادة 73/ ثانياً من الدستور العراقي لعام 2005.
[lvii]) صلاح البصيصي، المعاهدة الدولية والرقابة عليها في ظل الدستور العراقي الجديد، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والادارية، العدد12، المجلد2، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة الكوفة، 2009، ص ص246-247.
[lviii]) علي يوسف الشكري، مباحث في الدساتير العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014، ص ص450- 451.
[lix]) زهير الحسني، النظام القانوني للمعاهدات الدولية في القانون الدستوري والعراقي، بحث منشور في مجلة التشريع والقضاء، على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، في 4 حزيران 2014، على الرابط التالي:
http://tqmag.net/body.asp?fild=news.arabic&id=1300.
[lx]) لقمان عمر حسين، الاختصاصات الدستورية لابرام المعاهدات في الدول الفيدرالية: دراسة تحليلية مقارنة، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين، اربيل، 2013، ص223.
[lxi]) لقمان عمر حسين، الاختصاصات الدستورية لابرام المعاهدات في الدول الفيدرالية: دراسة تحليلية مقارنة، المصدر السابق، ص224.
[lxii]) المصدر نفسه، ص225.
[lxiii]) انظر نص المادة 16 من قانون اعادة المجرمين رقم 31 لسنة 1923.
[lxiv])عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، نفاذ المعاهدات الدولية ومكانتها في النظام القانوني الداخلي العراقي: دراسة تحليلية، مجلة القانون والسياسة، السنة السابعة، العدد السادس، 2009، ص168.
[lxv]) صلاح البصيصي، المصدر السابق، ص250.
[lxvi]) علي يوسف الشكري، مباحث في الدساتير العربية، المصدر السابق، ص471 وما بعدها.
[lxvii]) عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، المصدر السابق، ص ص153-154.
[lxviii]) زهير الحسني، النظام القانوني للمعاهدات الدولية في القانون الدستوري والعراقي، بحث منشور في مجلة التشريع والقضاء، على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، في 4 حزيران 2014، على الرابط التالي:
http://tqmag.net/body.asp?fild=news.arabic&id=1300.
[lxix]) نص المادة 92 من الدستور العراقي لسنة 2005.
[lxx]) تم نشر قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005، في جريدة الوقائع العراقية في العدد 3996، السنة السادسة والاربعون، في 17 اذار 2005.
[lxxi]) حسن ناصر طاهر المحنة، الرقابة على دستورية القوانين: العراق انموذجاً، رسالة ماجستير في القانون العام، مقدمة الى كلية القانون والعلوم السياسية، الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، دهوك، 2008، ص125 وما بعدها.
[lxxii]) المادة 93 من الدستور العراقي لسنة 2005.
[lxxiii]) صلاح البصيصي، المصدر السابق، ص253.
[lxxiv]) المادة 3 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2005.
[lxxv]) المادة 4 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2005.
[lxxvi]) حسن ناصر طاهر المحنة، المصدر السابق، ص ص118-119.
[lxxvii]) المصدر نفسه، ص119.
[lxxviii]) حسن ناصر طاهر المحنة، المصدر السابق، ص130.
مايو 29, 2023 0
يونيو 01, 2022 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0
مايو 29, 2023 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0
أكتوبر 29, 2021 0