أبريل 11, 2017 محمد أبودار بحوث قانونية 0
حيثما وجدت جماعة من الأفراد يتكون منها نظام اجتماعي، قامت سلطة معينة بفرض احترام قواعد السلوك اللازمة لحياة هذا الكائن الاجتماعي، لا فرق في ذلك بين النظم الاجتماعية العامة أو الخاصة[1].
ولما كانت المقاولة أو المؤسسة جزءا من هذه النظم، كان لابد لها حتى تحقق مساعيها وأهدافها، أن تتوفر على سلطة إدارية – تتمثل في المشغل أو من ينوب عنه – تقوم بوضع نظام داخلي لتنظيم الشغل وتصدر أوامر وتعليمات للأجراء الذين يعملون تحت رقابتها وإشرافها.
وحتى يكون لهذه التعليمات صدى فاعلا لدى الأجراء، وحتى لا تذهب هذه التعليمات مع أدراج الرياح، فقد أيدها المشرع بمجموعة من العقوبات التأديبية، تتدرج في الواقع بقوة الخطإ المرتكب من جانب الأجير[2]، هذه العقوبات تدخل في إطار ما يسمى بالسلطة التأديبية للمشغل.
ثانيا : الـسـلـطــة الـتـأديـبـيــة للـمــشـغــــل.
تعرف السلطة التأديبية بأنها : ” سلطة قانونية موضوعها فرض قاعدة سلوكية على الأجراء الذين يشتغلون في مشروع من المشاريع، وذلك عن طريق جزاءات محددة، توقع على المخل بهذه القاعدة التي تتبلور في شكل أوامر وتعليمات للمشغل، قد تكون عامة موجهة لجميع الأجراء أو للبعض منهم، وقد تكون موجهة إلى أجير بعينه فقط”[3].
والعقوبات التي توقع على الأجير بسبب ما يرتكبه من أخطاء، تختلف بحسب ما إذا كانت هذه الأخيرة جسيمة أو غير جسيمة.
ففي حالة ارتكاب الأجيرخطأ غير جسيم، سمحت الفقرة الأولى من المادة 37 من مدونة الشغل[4] للمشغل بأن يتخذ في حق هذا الأجير، إحدى العقوبات التأديبية التالية :
والمشغل ملزم باتباع مبدإ التدرج في إعمال العقوبات أعلاه[5]، أي أنه مقيد بعدم تطبيق عقوبة أشد إلا بعد استنفاذ العقوبة الأخف.
هذا وإن أشد العقوبات التأديبية في هذا الصدد، هي تلك التي تؤدي إلى فصل الأجير، ويلجأ إليها المشغل بعد استنفاذ العقوبات أعلاه داخل السنة[6]، وكذلك عند ارتكاب الأجير لأحد الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادة 39 م.ش أو أخطاء أخرى تماثلها. وبحثي ينحصر في هذه الحالة الأخيرة، وبعبارة أخرى، سوف أبحث فصل الأجير حالة اقترافه خطأ جسيما.
ثالثا : التـعـــريف بـمـوضــــوع الـبـحــــث :
حاولت سلطات الحماية الفرنسية، انطلاقا من اتفاقية فاس المبرمة بتاريخ 12 مارس 1912، القيام بعدة تغييرات في المغرب، حيث أنشأت العديد من المؤسسات الصناعية والتجارية.
وقد ساهم جشع المشغلين سعيا وراء تحقيق أكبر الأرباح، وغياب تكثلات نقابية تدافع عن الأجراء، في استغلال هؤلاء أبشع استغلال، حيث كان يتخلص منهم بكل سهولة.
ولم تظهر الأحكام القانونية المنظمة لممارسة السلطة التأديبية من قبل المشغلين في التشريع المغربي، إلا بمناسبة صدور ظهير 23 أكتوبر 1948 المتعلق بالنموذج المتخذ لتحديد العلاقات الرابطة بين الأجراء الذين يمارسون مهنة تجارية أو صناعية أو حرة وبين مستخدميهم، ثم بعد ذلك ظهير 29 أكتوبر 1962 المتعلق بالنيابة عن المستخدمين داخل المقاولات، فظهير 24 أبريل 1973 المتعلق بشروط تشغيل المأجورين الفلاحيين وأداء أجورهم.
ونظرا لما شاب هذه المقتضيات التشريعية من قصور وغموض أحيانا، بالإضافة إلى أنها أصبحت عتيقة، أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد مواكبة للتطورات التي عرفتها المرجعيات القانونية، من اتفاقيات دولية وقانون مقارن، فقد اضطر المشرع إلى إلغائها بإصداره مدونة الشغل، هذه الأخيرة كبلت سلطة المشغل في الفصل لخطإ جسيم بمجموعة من القيود، منها ما هو موضوعي، ويتمثل في تحديدها لحالات الخطإ الجسيم المقترف من قبل الأجير، ومنها ما هو مسطري، ويتمثل في تقييد المشغل بسلوك مسطرة الفصل في هذه الحالة.
ومخافة أن يسيء المشغل استخدام سلطته تلك، ويخرج بها عن الهدف المتوخى منها، فقد خول المشرع الأجير ضحية الفصل لخطإ جسيم، حق اللجوء إلى القضاء الذي له وحده أن يتحقق من مشروعية أو عدم مشروعية الفصل في هذه الحالة، ويرتب تبعا لذلك الآثار القانونية المناسبة.
بقي أن أشير إلى أن الخطأ الجسيم كما قد يرتكب من قبل الأجير، قد يرتكب كذلك من طرف المشغل[7]، وسوف أقتصر في هذه الدراسة على بحث خطإ الأجير دون خطإ المشغل، انطلاقا مما يثيره هذا النوع من الخطإ من إشكالات قانونية لا تقع تحت حصر.
رابــعــــا : أهـمــيـــة مــوضــوع الـبـحــــث .
في كل مشروع علمي ينخرط فيه باحث، يتكرر نفس السؤال : هل ثمة حاجة لتبرير اختياره ؟
أحيانا يغني صدور قانون جديد – كمدونة الشغل – الباحث عن الدفاع عن اختياره، لكن دراستي لموضوع من قبيل الفصل لخطإ جسيم، لا تعدم دوافع البحث.
فمن جهة أولى، إن موضوع الفصل لخطإ جسيم، كان وما يزال يشغل اهتمام طرفي عقد الشغل، الأجير والمشغل، اللذين يحتد بينهما الخلاف، فيحاول كل طرف في هذا العقد الدفاع عن موقفه وتبريره، ويتأرجح ذلك بين ادعاء الأجير تعسفية الفصل الذي تعرض له، وبين زعم المشغل أن هذا الفصل مشروع.
ومن جهة ثانية، يعتبر الفصل عقوبة صارمة قد يذهب الأجير ضحيتها، وذلك حينما يفقد مورد عيشه في ظروف يصعب عليه معها إيجاد فرصة شغل، وهو ما شدني إلى بحث هذا الموضوع ذي البعد الإنساني.
صحيح أن هنالك كتابات سبق وأن بحثت الموضوع، إلا أن أغلبها ركزت على بعض جوانبه فقط، خصوصا وأنها – أي هذه الكتابات – بحثت الموضوع تحت مظلة الفصل التعسفي، وليس بخاف أن موضوعات هذا الأخير يصعب حصرها، بالإضافة إلى أن هذه الكتابات قد بحثت الموضوع قبل صدور مدونة الشغل.
ومن جهة ثالثة، إن قانون الشغل يحكم أكبر عدد من أفراد المجتمع، وكلما كان متوازنا ومحقا في تنظيم أحكامه، كلما كانت حظوظ الأمن فيه وفيرة، بحكم ما يتركه من صدى طيب في نفوس الفاعلين في إطاره، ومن هنا كان يستهدف هذا البحث كذلك تسليط الضوء على مواطن الضعف في تنظيم المشرع المغربي للفصل لخطإ جسيم، مع اقتراح بعض الحلول في هذا الصدد، سواء من خلال عملية استيرادية من بين أحضان القانون المقارن، أو من بين أحضان الواقع المعاش.
ومن جهة أخيرة،إن ملفات الفصل لخطإ جسيم، قد تناسلت وكثر عددها، وأصبحت ملفاتها تحصى بالآلاف أمام محاكم المملكة، فأضحت بالتالي عبئا ثقيلا على القضاة، لدرجة أصبحت معها الغرفة الاجتماعية لدى المحاكم تنعت بغرفة الفصل التعسفي.
خامسا : إشــكـــالــيــــة الـبـحــــث.
إن أول رهان يجب أن تحمله أية دراسة تتصدى لبحث موضوع الفصل لخطإ جسيم، هو تحديد ما إذا كان المشرع المغربي قد استطاع التوفيق في هذا الصدد بين مصلحتين متعارضتين، مصلحة الأجير في الحفاظ على شغله، ومصلحة المشغل في فصل كل أجير يشق عصا الطاعة عليه. وبعبارة أوضح، سأحاول تبيان ما إذا كانت مدونة الشغل قد أطلقت العنان للمشغل في الفصل لخطإ جسيم، كيفما بدا له.
وقد كان لزاما علي في سبيل توضيح جوانب الإشكالية المطروحة أعلاه، أن أبحث المقتضيات التي أتى بها التشريع في هذا الصدد، وذلك من خلال محاولة تحليل صور الخطإ الجسيم، وبحث ما إذا كانت قد وردت على سبيل المثال أم الحصر، ثم تسليط الضوء على إجراءات الفصل في هذه الحالة.
وسيكون في الواقع تقصيرا واضحا مني، في حالة ما إذا أهملت الوقوف عند الرقابة القضائية على فصل الأجير في هذه الحالة.
وقد حاولت في كل خطوة من هاته الخطوات، سبر أغوار الإشكالية المطروحة، لأنتهي في الأخير إلى وضع تقييم للنقط التي محصتها.
سادسا : نــطـــاق الـبــحـــــــث.
لما كانت دراستي تحمل على عاتقها هم بحث الفصل لخطإ جسيم في ضوء التشريع الحالي، فإن مجالها الأصيل يبقى هو مدونة الشغل.
بيد أنني رجعت إلى تشريع الشغل الملغى، متى كان ذلك ضروريا، حتى أعطي صورة عن الوضع الذي كان سائدا في ظله، مقارنا بين التشريعين، وذلك بالقدر الذي يحقق هذا المبتغى.
وقد حاولت جعل هذه الدراسة مقارنة، واخترت القانون الفرنسي وجها لهذه المقارنة، وذلك لأنه المهد الذي نشأت فيه جل فروع القانون المغربي وتطورت في أحضان فقهه وقضائه، وإلى جانبه رجعت إلى بعض التشريعات العربية، كالتشريع المصري كلما أسعفني تنظيمها لبعض الجوانب في الاستئناس بالحلول التي أعطتها لبعض الإشكالات المعلقة في القانون المغربي.
سـابـعـــا : مـنـهـجـيــــة الـبـحـــــث.
إن منهجية البحث التي سأتبعها في هذه الدراسة، تقوم على المزاوجة بين الجانب الوصفي الذي لا غنى عنه في دراسة أي موضوع قانوني، مع الحرص على تجنب الإسهاب، والجانب التحليلي الذي سيركز بدوره على الجوانب التالية :
ثـــامــنـــا : خـطـــة الـبـحــــث.
تقتضي الإجابة عن السؤال الذي بسطته أثناء تناولي لإشكالية البحث، تقسيم هذا الأخير إلى فصلين اثنين، أتناول في أولهما الأحكام التشريعية للفصل لخطإ جسيم، وفي ثانيهما، الرقابة القضائية على هذا النوع من الفصل.
لكن قبل الخوض في غمار هذه الدراسة بفصليها، سوف أتناول في فصل تمهيدي مفهوم الخطإ الجسيم وتنظيمه التشريعي.
وبناء عليه، ستكون خطة بحثي لهذا الموضوع على الشكل الآتي :
فصل تمهيدي : مفهوم الخطإ الجسيم وتنظيمه التشريعــي.
الفصـل الأول : الأحكام التشريعية للفصل لخطإ جـســيــــم.
الفصل الثاني : الرقابة القضائية على الفصل لخطإ جسيـم.
———————————————————————
[1] – عمرو فؤاد أحمد بركات، السلطة التأديبية، دراسة مقارنة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1979، ص 62 وما يليها.
[2] – أستاذي محمد الكشبور، التعسف في إنهاء عقد الشغل، أحكام التشريع ومواقف الفقه والقضاء، دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1992، ص 73.
[3] – محمد حلمي مراد، الوجيز في قانون العمل والتأمينات الاجتماعية، مطابع الأهرام التجارية، القاهرة، 1973، ص 201.
[4] – ظهير شريف رقم 194-03-1، صادر في 14 رجب 1424 ( 11 شتنبر 2003)، بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، ج.ر ع 5167، بتاريخ 8 دجنبر 2003، ص: 3969.
[5] – المادة 38 م.ش.
[6] – المادة السابقة.
[7] – تنص المادة 40 م.ش على ما يلي :
” يعد من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجير من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة، ما يلي :
وتعتبر مغادرة الأجير لشغله بسبب أحد الأخطاء الواردة في هذه المادة في حالة ثبوت ارتكاب المشغل لإحداها، بمثابة فصل تعسفي”.
أبريل 11, 2017 0
مارس 30, 2017 0
مارس 30, 2017 0
مارس 20, 2017 2