مارس 18, 2017 محمد الامام العزاوي بحوث قانونية 0
يشغل التحكيم مكانا بارزا على الصعيد الوطني والدولي، باعتباره أهم الوسائل البديلة لفض المنازعات، ولقد ازدادت أهميته في الآونة الأخيرة نظرا لتشعب العلاقات الاقتصادية على المستوى الوطني والدولي، وتعود هذه الأهمية التي حظي بها نظام التحكيم إلى المزايا التي يقدمها هذا القضاء الخاص، والاعتبارات الفعلية التي تدعو الأفراد إلى طرح منازعاتهم على أشخاص محل ثقة، بدلا من طرحها على المحاكم المختصة، وذلك للاستفادة من خبراتهم الفنية، أو لتجنب التعقيدات التي تطال الخصومة أمام القضاء من طول المساطر وكثرة النفقات وإهدار الوقت والجهد[1].
لكل هذه الاعتبارات فقد عملت النظم القانونية المعاصرة على وضع تنظيم قانوني للتحكيم، يتناول الاتفاق عليه، ويحدد المنازعات التي يجوز طرحها أمامه ويبسط كيفية اختيار القواعد الإجرائية التي يسير عليها، والقواعد الموضوعية التي تخضع لها المنازعات المعروضة عليه، ومن هذه النظم نجد المغرب الذي عمل على إصدار قانون 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية[2].
وقد جاء هذا القانون كما سبق الذكر نتيجة الأهمية التي أصبح يحظى بها التحكيم في العصر الراهن باعتباره وسيلة لفض المنازعات خاصة التجارية منها، كما يشجع على جلب الاستثمارات الأجنبية وبالتبعية يؤدي إلى نمو الاقتصاد الوطني، فمغرب اليوم مدرك تمام الإدراك بأهمية التحكيم كوسيلة بديلة عن القضاء[3] لجلب المستثمر الأجنبي الذي لم يعد يثق في القضاء الوطني، وقد جاء قانون 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية والمعدل لقانون المسطرة المدنية بمجموعة من المستجدات حاول من خلالها المشرع تخطي النقص والانتقادات التي كانت توجه إليه[4].
فإن كانت القاعدة العامة تعطي لمحاكم الدولة صلاحية تولي الوظيفة القضائية المتمثلة في الفصل في المنازعات التي تعرض عليها سواء بين الأشخاص بعضهم مع بعض أو بين الأشخاص والسلطة، فإن التحكيم يأتي كوسيلة استثنائية يلجأ إليها أطراف النزاع لفصل ما ينشأ بينهم من منازعات دون اللجوء إلى القضاء، نظرا لما يوفره لهم من مزايا عديدة من حيث السرية والسرعة والمرونة.
ويتصف التحكيم بأنه نظام تقاضي اختياري في أصله قوامه إرادة الأطراف، فلا يتم اللجوء إليه إلا باتفاق بين أطرافه، سواء أبرم هذا الاتفاق قبل نشوء النزاع أو بعد نشوءه، وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل306 من ق.م.م والمعدل بمقتضى قانون 05ـ08، بقوله “يراد بالتحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء اتفاق تحكيم”.
من خلال هذا التعريف يتضح أن اتفاق التحكيم هو أساس اللجوء إلى التحكيم وبمجرد انعقاده يصبح ملزم للأطراف ويترتب عنه أثرين:
فالدفع بوجود اتفاق التحكيم ما هو إلا نتيجة للأثر السلبي المترتب على اتفاق التحكيم نفسه.
واختيارنا لهذا الموضوع جاء نتيجة عدة أسباب من بينها أن هذه الدراسة وعلى حد علمي في الأولى من نوعها في هذا المجال حيث لم تتعرض أي دراسة لهذا الموضوع في المغرب، باستثناء بعض الدراسات التي تناولته من خلال إشارات فقط، فأدى غياب المراجع الخاصة إلى المساهمة في صعوبة تناول الموضوع، كما أن دراسة هذا الموضوع أتى في ظل التعديل الذي أحدثه المشرع المغربي بمقتضى قانون 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، والذي وضعنا في تساءل حول موقف المشرع المغربي من طبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم خصوصا أمام التعارض الذي وقع فيه كل من الفقه والقضاء.
ومن خلال عنوان الموضوع –الدفع بوجود اتفاق التحكيم- نرى أن العنوان يضعنا في تساؤل حول طبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم، لذا سنحاول ضمن الشق الأول من هذه الدراسة تحديد طبيعة هذا الدفع، لكن قبل ذلك نرى أنه من اللازم علينا عرض مختلف أنواع الدفوع، والسبب الذي دفعنا إلى ذلك جاء نتيجة التضارب الذي وقع فيه كل من الفقه والقضاء حول طبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم، لذا سنحاول دراسة مختلف تقسيمات الدفوع والتي نرى أن لها علاقة بموضوع دراستنا ، ثم نحاول بعد ذلك معرفة أي من هذه الدفوع يتماشى وطبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم، وذلك من خلال عرض جميع الاتجاهات الفقهية وكذا القضائية دون أن نغفل موقف المشرع المغربي.
أما الشق الثاني فسنخصصه لدراسة الجوانب العملية من هذا الموضوع، وذلك لأن الدفع بوجود اتفاق التحكيم لا يمكن التمسك به إلا إذا كان هذا الاتفاق صحيحا مستوفي جميع أركان صحته، فالمدعى عليه لا يمكنه مواجهة المدعي – الذي طرح النزاع محل اتفاق التحكيم على القضاء- بوجود اتفاق التحكيم إلا إذا كان هذا الأخير صحيحا غير مختلا في أحد أركانه.
لكن قد يحدث أن يكون هذا الاتفاق مختلا في أحد أركانه، فما هو الجزاء القانوني المترتب عن هذا الإخلال هذا ما سنحاول الإجابة عنه أيضا ضمن هذه الدراسة.
و إذا كان اتفاق التحكيم صحيحا ولجأ أحد أطرافه لعرض النزاع محل هذا الاتفاق على القضاء فإنه يمكن التمسك ضده بوجود اتفاق التحكيم في صورة دفع، لكن من يحق له التمسك به، فهل يقتصر هذا الحق على أطرافه الأصليين فقط تطبيقا لقاعدة نسبية آثار العقود، أم أن هذا الحق يمكن أن يمتد إلى الغير، وما المقصود بالغير الذي يعطى له حق التمسك بهذا الدفع رغم أنه لم يكن طرفا في العقد.
وأخيرا ما هي الآثار القانونية للدفع بوجود اتفاق التحكيم، فإذا كان وجود اتفاق التحكيم والدفع به يمنع القضاء من الفصل في النزاع، فهل وجود هذا الاتفاق يمكن التمسك به حتى في حالة اللجوء إلى القضاء للنظر في النزاعات المرتبطة بموضوع النزاع محل اتفاق التحكيم، كالإجراءات الوقتية والتحفظية حتى ولو لم يتفق الأطراف على إسناد هذا الاختصاص إلى المحكم، أم أن الأمر يتطلب وجود إرادة صريحة من الأطراف تسند هذا الاختصاص إلى المحكم، وبعبارة أخرى هل وجود اتفاق التحكيم الذي يعطي للهيئة التحكيمية سلطة الفصل في النزاع محل اتفاق التحكيم يكون له أثر على اختصاص القضاء في اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية المرتبطة بموضوع النزاع.
على ضوء ما تقدم وللإحاطة بكل ما تم الإشارة إليه ارتأينا معالجة هذا الموضوع من خلال التقسيم التالي:
الفصل الأول: طبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم
الفصل الثاني: التمسك بوجود اتفاق التحكيم
[1] – أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختيار والإجباري، منشأة المعارف الاسكندرية، الطبعة الخامسة 2000، ص:11.
[2] – صادر بتاريخ 30 نونبر 2007. منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 6 دجنبر 2007.
[3]-Mohammed ben jelloun. Les modes alternatives de règlement des conflits, les modes alternatifs de règlement des litiges,travaux du colloque organise par le département de droit prive,collection conférences et journées ,études,n 2,2004,p,5 et suivantes
[4] – من بين هذه المستجدات تخصيص فرع للتحكيم الدولي والتنصيص على أهلية الدولة في اللجوء إلى التحكيم…
مايو 29, 2023 0
يونيو 01, 2022 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0
أبريل 11, 2017 0
أبريل 11, 2017 0
مارس 30, 2017 0
مارس 30, 2017 0