مارس 13, 2017 محمد أبودار بحوث قانونية 0
يعتبر الاستقرار السياسي إحدى الغايات الكبرى التي تسعى جميع الدولة لتحقيقها، كيفما كانت طبيعة نظامها السياسي وقوتها الاقتصادية ونفودها العسكرية؛ولن يتحقق لها ذلك إلا بتوفير الاستقرار الاجتماعي[1] الأمر الذي يفسر أن ضمان سلم اجتماعي وتوفير مناخ اجتماعي تسوده الطمأنينة والعدالة الاجتماعية، مسؤولية أصبحت أكثر من أي وقت مضى ملقاة على عاتق الدولة وأجهزتها، وتتجلى هذه المسؤولية بشكل واضح في أنواع التشريعات التي تسنها الدولة لتوجه بها عملية التغيير وتضبط بها العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع.
ووعيا من مختلف التشريعات المقارنة بأهمية القانون الاجتماعي وبمختلف الآثار التي يرتبها على السلم الاجتماعي داخل الدولة[2]
مما يساهم عمليا في تقدم المجتمع وفي رقيه على أكتر من مستوى فإنها لم تترك مسألة تطبيقه وكيفية تأويله لنشاط المحاكم وحدها، وإنما عملت على خلق هيئات إدارية تساهم بدورها في فرض احترام ذلك التطبيق داخل المؤسسات التي تخضع للقانون الاجتماعي[3] وبالخصوص من جانب أصحابها، وتتمثل هذه الهيئات الإدارية أساسا في مفتشيات الشغل والساهرين على إدارتها وتسييرها[4]حيث تلعب دورا وقائيا في مقابل الدور العلاجي للقضاء.
وإذا كان المشرع المغربي وعلى غرار نظيره الفرنسي، قد خول لمفتش الشغل سلطات مهمة ووسائل وإمكانيات[5] حتى يتسن ه القيام بوظيفته في رقابة مدى تطبيق المؤسسات الخاضعة لرقابته لقواعد قانون الشغل، فإنه بالمقابل من ذلك قد أتقل كاهله بمجموعة من المهام التي يمكن القول أنها لا تخرج عن كونها إما رقابية أو ذات طبيعة إدارية أو تؤدي وظيفة تصالحية أو تحكمية.[6]
هذا وإن جهاز تفتيش الشغل يكتسي أهمية بالغة، وإن كان ذلك على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، فعلى المستوى الأول تظهر أهمية مفتشية من خلال كونها مؤسسة اجتماعية تعمل على تطبيق قانون الشغل وتسهر على استقرار العلاقة الشغلية، وتساهم في تحضير الاتفاقيات الجماعية[7] أما على المستوى الدولي، فتظهر أهمية جهاز تفتيش الشغل إذا علمنا أن منظمة العمل الدولية تعلق آمالا كبيرة على الجهاز المذكور من أجل الحفاظ على صحة وسلامة الأجراء وتحسين ظروف العمل[8]
ومما لاشك فيه أن رجوعنا إلى أصول جهاز التفتيش سيكشف لنا أكثر عن أهميته داخل مجتمع الشغل.
فالملاحظ أن جهاز التفتيش الشغل الضارب في القدم، إذ كان مفتش الشغل في فرنسا يقوم بدور المراقب لجودة الإنتاج ومدى مطابقة هذا الأخير للمعايير التي تضعها وتحددها السلطة العامة. إلا أنه ومع التطور الصناعي الذي عرفه القرن التاسع عشر أصبح وظيفة مفتشي الشغل تتمثل في حماية العامل المنتج بعد أن كانت هي حماية المستهلك[9]وإذا كان المغرب لم يعرف جهاز التفتيش في مرحلة ما قبل الحماية، على اعتبار أن تنظيم الشغل داخل طوائف الصناعة التقليدية كان يقوم به المحتسب، فإنه ومع الحماية الفرنسية، برزت مجموعة من النصوص التي تشير إلى تفتيش الشغل[10] حيث صدر ظهير 1 مارس 1941 منذ ذلك الحين إلى الوقت الراهن مر جهاز التفتيش بالمغرب بمجموعة تطورات تمخض عنها بالخصوص لم شتات النصوص القانونية المنظمة للجهاز المذكور وتحديد اختصاصات القائمة عليه[11]
ومن أخطر وأهم ما ينشأ من نزاعات بين أفراد المجتمع في عصرنا الحالي هي نزاعات الشغل، وتعتبر هذه الأخيرة من أبرز المظاهر المميزة للمجتمعات المعاصرة، خصوصا مع التطورات الاقتصادية والسياسية التي عرفها العالم في العقود الأخيرة.
ولتفادي تطور هذه النزاعات مع ما يترتب عن ذلك من مساوئ اجتماعية واقتصادية بالنسبة لطرفي العلاقة الشغلية عهد المشرع في مدونة الشغل [12] ، إلى مفتشي الشغل مهمة إجراء محاولات التصالح، سواء في مجال نزاعات الشغل الفردية أو الجماعية.
ورغم التحفظ الذي تثيره اتفاقيتي منظمة العمل الدولية81و129 بخصوص تكليف جهاز تفتيش الشغل بتسوية نزاعات الشغل، وذلك حفاظا على فعالية المهمة الأساسية المتعلقة بالمراقبة، وتطبيق أحكام قانون الشغل، فإن الممارسة العملية لهذا الجهاز، أقنعت المشرع بتكريس وتقنين تدخل مفتشية الشغل في تسوية نزاعات الشغل.
ويهدف هذا الاختصاص في حقيقته إلى الحد من مختلف النزاعات التي قد تنشأ بين الطبقات العاملة من جهة أولى، وأرباب المؤسسات من جهة ثانية سواء كانت هذه النزاعات الفردية أو جماعية وكيفما كان موضوعها أو طبيعتها.
فموضوع مفتشية الشغل أصبح من المواضيع التي استأثرت بالاهتمام في السنوات الأخيرة سواء لدى رجال القضاء أو لدى الباحتين أو الممارسين أنفسهم.
واختيارنا لموضوع دور مفتشية الشغل في حد من النزاعات الشغل أملته دوافع
* الرغبة في مواصلة التعليم ودخول باب البحث العلمي الذي اعتبر نفسي مبتدئا فيه محتاجا إلى التوجيه والتقويم.
* تطور المناخ الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب نتيجة ما يعرفه العالم من متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية.
* اتساع وثيرة النزاعات الاجتماعية:(الطرد الإعفاء، الإغلاق) والتي ستزداد وتيرتها في ظروف الأزمة الاقتصادية الحالية.
* تكريس المشرع المغربي لهذا الجهاز مهمة المصالحة التي كان يمارسها من الناحية الواقعية، يدفعنا إلى بحث مظاهر التنظيم التشريعي لهذه المهمة.
* الدور الكبير التي أصبحت تلعبه مفتشية الشغل في حل نزاعات الشغل بطريقة ودية رغم الواقع المزري الذي تعيشه.
وكغيره من البحوث فقد واجهتنا في بحتنا هذا مجموعة من الصعوبات ومعوقات ترتبط بعدة عوامل نذكر منها بالخصوص قلة المراجع العلمية التي تطرقت بصفة خاصة لجهاز التفتيش بالمغرب بشكل عام. كما أن أغلب البحوث التي تطرقت لجهاز التفتيش هي عبارة عن مقالات.
ومنهجية البحث التي سنتبعها في هذه الدراسة، تقوم على المزاوجة بين الجانب الوصفي الذي لا غنى عنه في دراسة أي موضوع قانوني مع الحرص على تجنب الإسهاب، والجانب التحليلي الذي سيركز بدوره على الجوانب التالية:
* جانب الدراسة المقارنة باعتماد القانون المقارن، وسنعتني بالذات بالأوضاع السائدة في القانون الفرنسي.
* الجانب النقدي وقد عملنا في إطاره على إبراز بعض التغيرات التي حفل بها التشريع المغربي قي تنظيمه لدور مفتشية الشغل في فض النزاعات, والنقط التي تختلف فيها عن التشريعات المقارنة.
وإذا كان المشرع المغربي قد جعل من جهاز مفتشية الشغل وسلة لتسوية نزاعات الشغل، يتموقع من حيث تنظيمه في موضع استراتيجي وسط. بين عدة آليات قبلية وبعدية لتسوية نزاعات الشغل والتي فرضتها خصوصيات هذه النزاعات، فإن الإشكالية المحورية المطروحة للنقاش على امتداد فقرات هذا البحث، هي ما هي حدود توفق المشرع المغربي في وضع إطار قانوني فعال لجهاز مفتشية الشغل في نزاعات الشغل بشكل يحد ويساهم في حل هذه النزاعات بفعالية؟
وإلى أي حد استطاع إقامة نوع من التوفيق أو التوازن بين مهمة المراقبة والتفتيش من جهة ،ومهمة المصالحة والتوفيق من جهة أخرى, لما فيه خدمة للمقاولة الوطنية بصفة خاصة وللاقتصاد الوطني بصفة عامة؟
وهي الإشكالية التي سنحاول مقاربة حقيقتها العلمية والعملية من خلال فصلين، نعالج في الأول منهما: الإطار القانوني لدور مفتشية الشغل التصالحي.(الفصل الأول) فيما نتطرق في( الفصل الثاني) :تدخل مفتشية الشغل في تسوية النزاعات والصعوبات التي تحد من هدا التدخل.
—————————————————————————
[1] عزيز أودوني: دور مفتشية الشغل في استقرار السلم الاجتماعي: تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة قانون الأعمال جامعة الحسن الثاني عين الشق كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء السنة الجامعية 1998-1999.ص 1
[2] وذلك في ظل التطورات الاقتصادية و السياسية التي عرفها العالم في العقود الأخيرة وما تمخض عنها من هيمنة رأسمالية وقيمها على مختلف المجالات بما في ذلك من القوانين المنظمة للعلاقات داخل المجتمع حيث أصبحت قواعد القانون الاجتماعي تتجه أكثر فأكثر إلى خدمة مصالح المشغلين تحت ذرائع مختلفة من قبيل الحفاظ على استقرار المقاولة ورقابتها من الركود الاقتصادي وحمايتها من وقوع في المساطر الجماعية، وبالتالي الحفاظ على مناصب الشغل.
-نادية أكاو: مفتشية الشغل كمية متدخلة في علاقات الشغل رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص_ جامعة محمد الخامس أكدال_ كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. الرباط السنة الجامعية 2006-2007.
[3] وتتمثل هذه المؤسسات في المؤسسات الصناعية والتجارية والمقاولات الصناعية التقليدية والمهن الحرة والاستغلاليات الفلاحية الغابوية والمرافق التابعة لها: والمؤسسات العمومية التابعة للدولة والجماعات المحلية، إذ كانت تكتسي طابعا صناعيا أو تجاريا أو فلاحيا، والتعاونيات والشركات المدنية والنقابات والجمعيات والمجموعات على اختلاف أنواعها وبصفة عامة كل الأشخاص المرتبطين بعقد شغل أيا كانت طرق تنفيذه، وطبيعة الأجر المقرر فيه وكيفية أدائه.
حسن صحيب: هيأة تفتيش الشغل من خلال مدونة الشغل وتشريع منظمة الدولية المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 70 شتنبر- أكتوبر 2006 ص 98
[4] محمد الكشبور: نظام تفتيش الشغل ، الواقع الحالي وآفاق المستقبل .مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الأولى 1997 ص 11 وما يليها.
[5] وتتجسد هذه الإمكانيات أساسا في الزيارات المخول لمفتشي الشغل القيام بها والتي عددت الوزارة العدد اللازم القيام به من طرف المفتش منها شهريا، إضافة إلى إمكانية توجيه المفتش الشغل الأسئلة للمشغل والإجراء، وكذا القيام بكافة التحريات والابحات التي تمكنه من التأكد من مدى التزام الشغل لقانون الشغل كما أن هذه الزيارات قد تتوج في صالة الوقوف على مخافة ما: من طرف العون المكلف بتفتيش الشغل بتحرير تقرير ومحضر من طرف هذا الأخير.
محمد الدكي تأملات في نظام تفتيش الشغل مجلة القصر العدد 6 السنة 2003 ص 113
[6] للتوسع فيما يتعلق بمهام مفتشي الشغل الرقابية والإدارية والتصالحية والتحكمية راجع بالخصوص:
-عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل الجزء الأول علاقات الشغل الفردية الطبعة الأولى المطبعة والوراقة الوطنية مراكش السنة 2004 ص 134 وما يليها
– محمد الكشبور: نظام تفتيش الشغل الواقع الحالي وآفاق المستقبل المرجع السابق ص 354 وما يليها
– الحاج الكوري: القانون الاجتماعي المغربي الطبعة الثانية منشورات دار القلم الرباط السنة 2005 ص 95 وما يليها.
-Véronique roy droit du travavail-dound paris 2004 p: 6 et suivantes.
– Bernard teyssit droit du trvail relation individuelles de trvail 2ém édition édition lite paris 1992 p 136 et suivantes.
[7] وقد عرف موضوع تفتيش الشغل اهتماما كبيرا خصوصا مع بداية الثمانينيات، وهو اهتمام متعدد الأبعاد والجهات فهناك النقابات التي تطالب بتوفير وسائل فعالية لضمان احترام قانون الشغل وهناك اهتمام الفقه القانوني بالموضوع وذلك علاوة على اهتمام موظفي جهاز التفتيش أنفسها.
عبد العزيز العتيقي: قانون الشغل المغربي دراسات وأبحاث مطبعة دار النشر المغربية الدار البيضاء 1997 ص 179.
[8] الحاج الكوري: القانون الاجتماعي المغربي: م س ص 80 وما يليها.
[9] الحاج الكوري: القانون الاجتماعي المغربي، المرجع السابق ص 89 وما يليها.
[10] عبد الكريم غالي في القانون الاجتماعي المرجع السابق ص 92 وما يليها.
[11] محمد الكشبور: نظام تفتيش الشغل المرجع السابق ص 13 وما يليها.
[12] الظهير الشريف رقم 194. 03-1 المؤرخ ب 14 من رجب 1424(11 سبتمبر 2003) الصادر بتنفيذ القانون رقم 99-65 المتعلق المدونة الشغل.
مايو 29, 2023 0
يونيو 01, 2022 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0
أبريل 11, 2017 0
أبريل 11, 2017 0
مارس 30, 2017 0
مارس 30, 2017 0