مارس 02, 2017 محمد الامام العزاوي بحوث قانونية 0
يرتبط الإنسان بالعقار إرتباطا وثيقا منذ ولادته وإلى ما بعد موته، مصداقا لقوله تعالى ” مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىَ “.
ونظرا لهذا الإرتباط الوثيق، فقد سعت البشرية ومنذ القدم إلى خلق وابتداع قواعد و قوانين من شأنها حماية الملكية العقارية وتحصينها ضد كل اعتداء أو غصب.
على أن نظام السجلات العينية يبقى من أفضل ما ابتكرته البشرية على الإطلاق في هذا الشأن، بحيث أنها تضبط الملكية العقارية في جميع أوجهها الشكلية والموضوعية وذلك بإدراج جميع التغييرات الطارئة على العقار في السجل العقاري، سواء تعلقت هذه التغييرات بحالة العقار المادية أو القانونية، مما يجعلها بمثابة الحالة المدنية للعقار.
وقد أدخل المستعمر الفرنسي هذا النظام إلى المغرب بمقتضى ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، وإن كانت الغاية من ذلك هي تثبيت الملكية العقارية للفرنسيين، وذلك بنزع ملكيتها من أصحابها بأثمان بخسة. فإن المشرع المغربي ارتأى الإبقاء على هذا القانون بعد الإستقلال نظرا لمزاياه الكثيرة منها: ضبط الملكية العقارية وتطهيرها من جميع ما كانت مثقلة به من حقوق قبل تحفيظها، وحماية الدولة لها عن طريق اعتراف القانون المسبق لها ، وكذا تحقيق الأمن العقاري من خلال ما يوفره التحفيظ من دقة ووضوح وأمان من شأنه التقليل من النزاعات، وهو ما ييسر تداول العقارات، وتقوية الإئتمان العقاري وتشجيع حركة العمران، وتنمية الفلاحة وتمكين الدولة من معطيات لإنجاز المخططات الإقتصادية والإجتماعية .
غير أن هذه الفوائد لا تتأتى إلا من خلال التطبيق الدقيق والصارم لمختلف القواعد التي سطرها ظهير التحفيظ العقاري بشأن التقييدات على الرسوم العقارية، على اعتبار أن المهم ليس هو تحفيظ العقارات في حد ذاته بتأسيس رسم عقاري خاص بكل عقار،بل لا يعدوا هذا الأمر أن يكون مجرد خطوة أولى يتولاها ما هو أهم وأساسي،ألا وهو مبدأ استمرارية إشهار مختلف العقود والتصرفات على صحيفة هذا العقار، وفي هذا الإطار نجد المشرع قد نظم كيفية التقييد والعقود والتصرفات التي تكون موضوعا للتقييد، والآجال الواجب احترامها،والقوة الثبوتية للتقييدات وآثارها.
إلا أنه ورغم وجود هذه القواعد ،فإن الواقع العملي أبان عن مجموعة من المشاكل التي طرحت ووقفت حجرة عثرة أمام نظام التحفيظ العقاري ،ويبقى أبرزها مسألة تحيين الرسوم العقارية التي تعني: جعل البيانات المحددة في الرسم العقاري موافقة بدقة للحقيقة، بحيث أن التحيين ينبثق من المطابقة بين الرسم العقاري وبين الواقع.
وهكذا فقد كشفت المعالجة المعلوماتية لمعطيات السجل العقاري أن نسبة 30% و40% من الرسوم العقارية غير محينة، ولا تعكس الحالة الحقيقية للعقار.
كما أن هذا المشكل ليس بحديث العهد، وإنما ولد مع سن ظهير التحفيظ العقاري وهو ما جعله محل أشغال لجنة الإصلاح العقارية المنعقدة سنة 1937 ، كما قامت مصالح المحافظة أن ذاك بإجراء تجربة ميدانية لحل هذا المشكل في محافظتي الرباط والدار البيضاء بمنطقتين محددتين بهما، حيث تم التوصل إلى نتائج لا بأس بها وذلك بمساعدة السلطات المعنية.
وقد تجلى الإهتمام بالمشكل كذلك من قبل السلطات العامة، حيث أصدرت العديد من المذكرات الوزارية والقرارات التي تبين حجم المشكل المطروح والعواقب المترتبة عنه. وهو ما حدى بالمشرع بعد الإستقلال إلى حد إعداد مشروع قانون يتعلق بتيويم بعض الرسوم العقارية سنة 1994، والذي لم يتم تفعيله لحد الآن.
ولاشك أن مسألة عدم التحيين تمس بنظام التحفيظ العقاري، وتؤدي إلى الإضرار باستقرار المعاملات العقارية وما ينبغي أن يسودها من ثقة ومصداقية، ولها انعكاس سلبي على تعبئة العقار المحفظ للإسهام في تحريك عجلة الإقتصاد.
كما أن الرسوم العقارية في غياب تيوميها،وفي غياب واقعيتها تصبح ناقصة القيمة، وتصير مدخلا للشك والريبة لدى المنعشين العقاريين، وهذا الأمر يقضي على دورها كضمانة عينية تتيح الحصول على القروض والسلفات الضرورية لخلق الإستثمار وتنشيطه في جميع المجالات الإقتصادية.
من هنا تظهر الأهمية القصوى لمعالجة جوانب هذا الموضوع والتي للأسف لم تحضى باهتمام كبير من لدن الفقه ،بحيث يلاحظ شح على مستوى الكتابة في هذا الموضوع. وهو ما دفعني إلى اختياره وذلك لمحاولة البحث عن مكامن الخلل على مستوى قواعد القانون العقاري، وكذا القوانين التي لها علاقة ،بهدف تقويم ما يمكن تقويمه، والبحث عن حلول لهذه المعضلة ،وذلك لإعادة الثقة والمصداقية إلى نظام السجلات العينية و التحفيظ العقاري بصفة عامة.
مايو 29, 2023 0
يونيو 01, 2022 0
مارس 12, 2022 0
نوفمبر 09, 2021 0
أبريل 11, 2017 0
أبريل 11, 2017 0
مارس 30, 2017 0
مارس 30, 2017 0